اتساع كبير في نطاق الحرب، التي أطلقها الاحتلال الاسرائيلي على قطاع غزة، ربما كانت الغارات على اليمن أحدث حلقاتها، مما يفتح الباب أمام المزيد من الشكوك في جدية حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو فيما يتعلق بمفاوضات الهدنة، بينما تبقى شروطه حول نشر قوات أجنبية في غزة بمثابة حجر عثرة أمام التقدم المأمول لتحقيق هذا الهدف، وهو ما يعكس حقيقها مفادها أن الاحتلال مازال يراهن على إطالة أمد الحرب لإنقاذ حكومته من مقصلة الإقالة التي تنتظرها بمجرد توقف الحرب، وهو الأمر الذي يضعه تحت طائلة المحاكمة، سواء في قضايا الفساد التي تعود إلى ما قبل توليه منصبه، من جانب، أو فيما تسببت فيه حكومته من خسائر سياسية واقتصادية وعسكرية منذ بداية العدوان على القطاع في أكتوبر الماضي.
ولعل الغارات الأخيرة التي شنها الاحتلال الاسرائيلي على اليمن، بمثابة تدشين جبهة جديدة للصراع، عبر تحويل دفة المعركة نحو المواجهة المباشرة، مع جماعة الحوثيين، وهو ما يعني خلق بؤرة جديدة من المخاطر على العديد من المسارات، أولها يرتبط بالداخل الإسرائيلي نفسه، في ضوء إمكانية قيام الميليشيات بإرسال صواريخ ومسيرات تمثل تهديدا صريحا لأمن الدولة العبرية، بينما تمثل، في مسار آخر مزيد من الفوضى الاقليمية، ناهيك عما قد تترتب عليه من تداعيات دولية كبيرة، في ضوء تأثيراتها العميقة على حركة الملاحة الدولية، تدفع نحو تفاقم الأزمات الاقتصادية التي يشهدها العالم في اللحظة الراهنة في مسار ثالث.
فلو نظرنا إلى الداخل الاسرائيلي، نجد أن ثمة غضبا شعبيا متفاقما جراء التعنت الإسرائيلي فيما يتعلق بمفاوضات الهدنة، حيث يبقى مستقبل المحتجزين الاسرائيليين لدى الفصائل الفلسطينية مرتبطا بصورة مباشرة بما سوف تؤول إليه الأمور حول وقف إطلاق النار، والذي يمثل شرطا أساسيا لإجراء اي خطوة في هذا الاطار، بينما يبقى الاستهداف المحتمل للمدن الاسرائيلية من قبل الحوثيين، بمثابة هاجس جديد للمواطن العبري، والذي يعاني أساسا جراء حالة من الخلل الامني التي تكشفت في أبهى صورها خلال أحداث طوفان الأقصى في أكتوبر الماضي، وهو ما يزيد حالة الانقسام والاحتقان الداخلي ضد سياسات نتنياهو.
وعلى الصعيد الاقليمي، فتمثل العقبات الاسرائيلية أمام الهدنة، وفتح جبهات جديدة للصراع، بمثابة محاولة صريحة لاستفزاز دول الجوار والتي يبقى أمنها مهددا، وهو ما يعني المزيد من التوتر في العلاقات، خاصة مع اصرار الاحتلال على نشر قوات أجنبية، وهو ما يمثل جزء لا يتجزأ من رؤيته القائمة في الأساس على تصفية القضية الفلسطينية، سوًا عبر دعوات التهجير تارة او فصل القطاع عن الضفة، وهو الأمر الذي رفضته تماما السلطة الفلسطينية في ضوء رغبتها استلام غزة باعتبارها السلطة الشرعية المعترف بها دوليا.
وأما على الصعيد الدولي، فتبدو العقبات الاسرائيلية أمام كل السبل المؤدية إلى الهدنة، بمثابة المزيد من العبء على كاهل حلفائها الغربيين الذين يعانون جراء الأوضاع الاقتصادية الصعبة وعجز الحكومات عن إيجاد حلول لها، خاصة مع ما يمثله التصعيد في اليمن من تحديات جديدة للعديد من القطاعات الحيوية سواء الغذاء او الطاقة مما يهدد بمزيد من التضخم وارتفاع الاسعار، وهو ما بدا في تراجع الحكومات القائمة في عدة دول أوروبية لصالح تيارات أخرى، وهو ما تجلى في المشهد الفرنسي خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة.
الموقف الاسرائيلي، والقائم على فتح العديد من الجبهات، لتوسيع نطاق الصراع، يساهم في الوقت نفسه في اتساع نطاق المقاومة، ليس فقط فيما يتعلق بصورتها التقليدية المتمثلة في الفصائل المناوئة للاحتلال، وإنما أيضا في الداخل، لتتجاوز احزاب المعارضة نحو الشارع الذي شهد احتجاجات متواترة ضد سياسات الحكومة من جانب، بالإضافة إلى حشد القوى الإقليمية الفاعلة لتتبنى موقفا موحدا ضد الفوضى التي يسعى الاحتلال إلى إرسائها في المنطقة من جانب آخر، ناهيك عن تجريد الدولة العبرية من حلفائها تدريجيا في ظل الخسائر التي تلاحق حكوماتهم سياسيا واقتصاديا.
وهنا يمكن القول بأن سياسات نتنياهو العدوانية باتت مقامرة لم تعد محسوبة في ضوء ما تمثله من تداعيات كبيرة على كافة المستويات، تساهم بصورة كبيرة في تهديد بلاده سياسيا واقتصاديا ودبلوماسيا، ناهيك عن الجانب الامنى الذي اثبت هشاشته في العديد من المواقف، ربما أبرزها عجزه التام عن القضاء على الفصائل منذ ما يقرب من تسعة أشهر من الحرب رغم الفارق الكبير في الامكانات.