قبل 64 عاما، وفى السابعة من يوم 21 يوليو 1960، افتتح التليفزيون المصرى ضمن الاحتفالات بثورة يوليو، جلسة مجلس الأمة وخطاب للرئيس جمال عبدالناصر، وأغان وقبلها تلاوة بصوت الشيخ محمد صديق المنشاوى، والإعلان عن مولد التليفزيون المصرى، من مقره فى ماسبيرو بمبنى الإذاعة والتليفزيون الشهير، الذى حمل اسم العالم الفرنسى جاستون ماسبيرو رئيس هيئة الآثار المصرية الأسبق.
كانت هناك مشروعات وعروض فرنسية لإنشاء محطة تليفزيونية عام 1951، وبذات تجارب بث فى النوادى، لكنها لم تكتمل، وفى 1954 عرض صلاح سالم وزير الإرشاد القومى وقتذاك على الرئيس جمال عبدالناصر إنشاء دار الإذاعة الجديدة ومحطة تليفزيونية فوق جبل المقطم، وتم بالفعل لكن تأخر المشروع بسبب العدوان الثلاثى، وفى عام 1959 بدأ إنشاء مبنى للإذاعة والتليفزيون فى ماسبيرو، وبعد ستة أشهر تم الإرسال من ماسبيرو، وبقيت محطة المقطم ضمن محطات التليفزيون.
بدأ البث بقناة واحدة فقط لخمس ساعات، وشهد التليفزيون المصرى تطورا ونقلات فى الشكل والمضمون، منذ بدأ بكوادر تم تدريبها فى الولايات المتحدة، لتبدأ فى بناء أحد أهم وأول تليفزيون فى أفريقيا والعالم العربى، والذى ظل بمثابة «صندوق الدنيا» حامل السحر، والثقافة والوعى والدراما والمنوعات والبرامج والنشرات والسينما، وظل على مدى ثلاثة عقود بلا منافس قبل أن تبدأ ثورة الأقمار الصناعية والقنوات الفضائية، وظل يحتفظ بالصدارة.
فى عام 1970 صدر المرسوم الجديد لاتحاد الإذاعة والتليفزيون، وحدد 4 قطاعات، الإذاعة، والتليفزيون، والهندسة، و التمويل، وبعد حرب 1973 تحوّل البث التلسفزيونى ومرافق الإرسال من الأبيض والأسود إلى الألوان تحت نظام سيكام «SECAM»، وتغير البث التليفزيونى المصرى من سيكام إلى « بال» فى عام 1992.
كل هذا يعرفه الجيل العابر للتكنولوجيا الذى شهد كل النقلات التقنية، من الإذاعة، وسحرها وخيالها، بما تقدمه من برامج ودراما، تستخدم كل حيل المؤثرات لتشعل الخيال، بجانب الأغانى والذكريات والبرامج الثقافية وأصوات المطربين والمثقفين، والمذيعين، وحتى التليفزيون بساعاته المحدودة، خمس ساعات، كانت كافية لإعادة تشكيل العقل لأجيال ولدت ونمت على التلفزيون، لكن الواقع أن التليفزيون ظل جهازا عزيزا يمتلكه قليلون فقط من المواطنين، حتى بدأ إنتاج الجهاز فى شركة النصر للإلكترونيات فى بنها، والتى بدأت تنتج أجهزة التليفزيون 16 بوصة وما بعدها، والتى بدأت تدخل بيوت المصريين فى منتصف الستينيات من القرن العشرين، ويومها كان من يشترى جهازا عليه ضريبة سنوية لماسبيرو قيمتها 3 جنيهات، بجانب ضرائب أخرى على تراخيص السيارات وغيرها، كنوع من التمويل الذاتى مشاركة فى سداد تكلفة التليفزيون.
وربما يكون جيل الإذاعة قد ارتبط بمسلسل الخامسة والربع، وإذاعة أم كلثوم، أو الأغانى، وفى رمضان الشيخ رفعت والنقشبندى، ويشتعل خيالهم بألف ليلة وليلة، والأخبار والبرامج والأغانى والمسلسلات والسهرات، وأكملت الإذاعة المصرية عامها التسعين فى 31 مايو 2024، وبالأمس أكمل التليفزيون المصرى عامه الرابع والستين. ظل خلالها شاهدا على عصور من التحولات، أحداث وتفاصيل سياسية واجتماعية وفنية، وحتى فى زمن المنصات والإنترنت، لا يزال تراث التليفزيون من برامج وحوارات ومسلسلات موجودا.
ربما ونحن من الجيل العابر للتطورات التكنولوجية، ممن تعرفوا على مراحل التليفزيون بداية من قناة واحدة لخمس ساعات، ثم قناتين لعدة ساعات، ولعبت الدراما دورا وربما كانت أشهر الأعمال «الساقية»، وهى جزء من ثلاثية «الساقية، والرحيل، والنصيب» المأخوذة عن رواية عبدالمنعم الصاوى، وكان أول مسلسل يرتبط بالجمهور يوميا، بطولة صلاح السعدنى فى بداية شهرته، ولا تزال أعمال مثل «القاهرة والناس»، و«عادات وتقاليد»، تمثل تراثا، وارتبط الجمهور فى السبعينيات من القرن العشرين ببث مباريات كرة القدم التى ضاعفت من شعبية اللعبة، وجذبت جمهورا إلى المقاهى والساحات، وكان كأس العالم بالأرجنتين 1978، أول كأس عالم يبث بالألوان.
هناك برامج ارتبط بها الجمهور فى السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين مثل عالم الحيوان، نادى السينما، اليوم المفتوح، والأغانى والحوارات والأحاديث التى يحتفظ ماسبيرو زمان بتراثها الكبير، الذى يضم عددا وافرا من البرامج والحوارات والوثائقيات، التى تمثل بالفعل خارطة للاجتهاد والمهنية والتفانى والإخلاص، فى زمن لم تكن ظهرت فيه الملايين ولم تكن الإمكانات البسيطة عائقا أمام تقديم أعمال تمتلئ بالثقافة والإبداع، باعتبار أن الموهبة والفكرة هى البطل الذى يقوم عليه الإبداع، وأن التكنولوجيا والتقنيات هى أدوات ووسائل تضاعف من القدرة على التنوع والإبداع، الآن يواجه التليفزيون مثل الصحافة والإعلام التقليدى تحديات من منصات وأدوات تواصل، فى عصر الذكاء الاصطناعى، فالتكنولوجيا التى خدمت القنوات وأتاحت البث الواسع، هى نفسها تمثل تحديا وتهديدا، لكن فى العام الرابع والستين يظل الإبداع وتوازن المحتوى مع التسويق، هما معادلة الاستمرار فى زمن المنصات.
مقال أكرم القصاص فى عدد اليوم السابع
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة