تشهد دول العالم على مر التاريخ مراحل من البناء والإعمار والتنمية في صورتها المستدامة؛ بغية بلوغ حد الرقي والنهضة في شتى مجالات الحياة، وفي واقع الأمر نجد أن للقيادة دورًا فاعلًا حيال ما تصل إليه الأوطان من تقدم وازدهار، كما أن هناك منهجية ينبغي أن يتربى عليها القائد؛ كي يستطيع أن يدير ما يوكل إليه من مؤسسة، أو مؤسسات، أو قطاعات كبرى، أو مدن بكاملها، أو حتى الدولة بكافة ربوعها، وفق ما يُمنح من صلاحيات تساعده في تحقيق الغايات العليا للكيان المعني به.
وفي هذا الإطار ينبغي أن يكون هناك منهج لصناعة القائد، في ضوء رؤى مقترحة ترتبط لزامًا بمراحل البناء والتنمية والنهضة المؤسسية؛ لذا هناك ملامح رئيسة متفق عليها في صناعة القائد، يأتي في مقدمتها تحمله للمسئولية، ورؤيته بعيدة المدى التي تستبق مجريات الأمور وأحداثها، واعتماده على المعرفة العلمية وخبرة أصحاب التخصص في مجالاتهم عندما يقطع برأي أو يصنع قرار ومن ثم يتخذه، وتفويضه للغير من أجل القيام بمهام محددة يرتأى أنه صالح لها، ناهيك عن تحليه بقيم النبل التي يتبناها المجتمع في نسقه؛ فعبر ذلك يتخير بطانته الصالحة التي تزيده اعتزاز بوطنه وتساعده في تحقيق غايات المؤسسة والتي تصب قطعًا في مصلحة الوطن.
وثمة منهج يهتم بصناعة القائد من منظور التخطيط الاستراتيجي الذي أضحى لا غنى عنه؛ فمن خلاله يتمكن القائد من تحديد أولويات النظام المؤسسي وفق أهدافه بأدوات صحيحة، وعبر ذلك يخصص الموارد بتنوعاتها ويصمم الاستراتيجيات التي تحدد مسار وآلية ومراحل العمل بصورة وظيفية، تضمن انخراط الجميع في مهام واضحة البيان، مع الأخذ في الاعتبار جاهزية مقومات النجاح التي تتمثل في المتابعة والتقييم والتقويم الذي نتاجه الإصلاح والتطوير في آن واحد؛ بالإضافة إلى صناعة قادة يتحملون المسئولية معه وحوله وبعده؛ فالراية ستظل مرفوعة لا ريب.
وقد أصبحت دول العالم بمؤسساتها وفي مجالاتها التنموية المختلفة تتبني فلسفة جديدة تسمى بالتنافسية والريادة، بما يؤكد أن منهج إعداد القائد يتوجب أن يلم ويتقن تلك الفلسفة، وليس هناك أدنى شك من العلاقة الارتباطية الإيجابية بين ماهية التنافسية والريادة والخُلق الحميد؛ فمن يتقن عمله يبدع فيه، ويصير ملمًا بفنونه؛ فما أحوج مؤسساتنا الوطنية بهذه المنهجية التي تخلق صور ومستويات الابتكار، وتستثمر في الطاقات والعقول.
وتُعد التنشئة أمرًا مهمًا في صنع قائد يمتلك خبرات مربية يستطيع أن يستثمرها من خلال وجدانه الراقي؛ فيحدث نقلة نوعية في الأداء المؤسسي؛ فمن تربى على مسئولية مواجهة الضغوط وتحمل التحديات والمقدرة على تحقيق الغايات من خلال عمل جاد متواصل يستطيع أن ينجو بالسفينة من بحر الأزمات المتلاحقة والتي تشكل التحدي المستدام في هذا العالم غير المنصف في مجمله.
وحري بالذكر أن منهجية الإصلاح تُعد ضمانة رئيسة لاعتلاء قطار التقدم والرقي للنظم المؤسسية وللدولة؛ فلا تطوير يحدث ولا ازدهار نتحصل عليه بعيدًا عن هذا المفهوم، الذي يضمن سلامة المدخلات وحسن المخرجات، ومن ثم تلبية المتطلبات والاحتياجات وسد حالة العوز التي تعاني منها دول ليست بالقليلة، وقد أذعن العالم بأسرة لمسلمة أن الإصلاح والتطوير لا ينفكان عن بعضهما البعض.
ومنهج صناعة القائد من منظور اتخاذ القرار يقوم على مرتكزات مهمة، تبدأ بالتخطيط المحكم والتنفيذ في ظل متابعة مستمرة وتعزيز لنتاج متميز ومعالجة لفجوات أو مشكلات قد تعطل مسيرة العمل والإنتاج؛ فتحتاج لصناعة واتخاذ قرارات ناجزة تسهم في تحقيق المصلحة للنظام المؤسسي وتنعكس إيجابًا على غايات الوطن الحبيب، وهنا يهتم القائد بماهية الدعم سواءً من المجتمع المؤسسي أو من خارجه؛ فتحدث المساندة التي من خلالها تستكمل مسيرة العمل الفاعل.
وسلوكيات القائد تضمنها منهجية منظور السمات؛ فمن خلالها يتربى على الحب والتواد والتراحم والتعاون والعمل الجاد، ناهيك عن الحزم والالتزام مقابل المرونة ومراعاة الحالات الاجتماعية التي يمر بها البعض؛ فصناعة القائد وفق هذا المنهج تقوم على تعزيز آليات الاستقامة؛ فتتوافر خصال وصفات يتفرد ببعضها هذا القائد الذي يقع على كاهله تحقيق مسيرة النهضة وفق نجاحات متتالية وقليل من الاخفاقات التي تتلوها استدامة في الوصول للمنشود.
وندرك جليًا بأن منهج صناعة القائد من منظور الإنسانية تعني مراعاة مشاعر الأخرين؛ فهذا دون شك يخلق مناخًا سانحًا للعمل الجماعي والتعاوني، ويهيأ لعقد شراكات تصب في مصلحة النظام المؤسسي، ويوقد الطاقات من أجل تحقيق المنشود، بل والوصول لمستويات الريادة التي تأملها النظم المؤسسية قاطبة، وفي إطار تلكما المنهجية نجد أن الكيان المؤسسي متماسك وصامد البنيان؛ فيصعب أن ينال منه مغرض، كما أن سبل الفساد وأبوابه مؤصدة؛ فلا مجال لمصلحة خاصة على المصلحة العامة.
ويصعب بمكان أن نحصي هموم القائد وما قد يعاني من صعاب متجددة؛ فهناك الشائعات التي تبث ليل نهار والتي تستهدف النيل من شخصه والعمل المؤسسي، ومن ثم فلا منزع عن رقابة ومتابعة وعمل مستدام بصورة تقوم على احترام القانون ولا ينفك عن المناخ الديمقراطي الذي يبعث برياحين الأمن والأمان المؤسسي، وهذا ما تضمنه ممارسات القائد العادلة التي تهتم بالمورد البشري والمادي وتنميتهما في آن واحد.
ونؤكد على أن منهج صناعة القائد يقوم على تنمية طموح يتصف بالاستمرارية والديمومة لديه؛ فمن خلال ذلك يمتلك رؤية مستقبلية، واستراتيجيات فاعلة تضمن أن تجعل فرق العمل المؤسسي في حالة من النفور المشفوع بالتوافق والتناغم والتآزر في تحقيق الغاية الجامعة في حاضرية قائد يمتلك الفطنة والحكمة ولين ورفق التعامل في وقت والحزم في وقت ما يتطلبه.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.