عزيزى القارئ.. ما الذى يتبادر إلى ذهنك عند ذكر الجغرافيا؟ هل تتذكر الخرائط وعواصم الدول؟ في حقيقة الأمر ليس هذا كل ما تعنيه الجغرافيا، لكن على الأقل بعضنا يعرف شيئا ما من الجغرافيا، فى حين أن الأجيال الجديدة لا تعرف شيئا عن الجغرافيا، وهى بالتالى لا تعرف حدود مصر ولا جيرانها ولا تضاريسها، ولا معالمها، هذه الحقيقة المرة سببها وزارة التربية والتعليم التي تقدم للطلاب منهجا لتعليم الجغرافيا لا يواكب طبيعة هؤلاء الطلاب ولا طبيعة عصرنا، فتتحول الجغرافيا لمادة صماء مملة، والمهزلة أنها تصير مادة للدروس الخاصة، ولا تدرك وزارة التعليم أنها بذلك تهدم لدى هذه الأجيال فكرة الوطن في مخيلتهم، بل تجعل قدرتهم على التفاعل محدودة، ومن العجيب أن طلاب المدارس الدولية في مصر الذين لا يعرفون مصر، يعرفون جغرافيا فرنسا أو بريطانيا أو ألمانيا بصورة راسخة في أذهانهم، لذا فانتماء هذه الأجيال للوطن انتماء هش.
لكن ما هي الجغرافيا وما هي أهميتها حتي أكتب لك عنها؟ الجغرافيا هي دراسة الأماكن والعلاقات بين الناس وبيئاتهم، الجغرافيا علم يتناول اتصالات البشر بالمساحات والأماكن، يستكشف الجغرافيون الخصائص الفيزيائية لسطح الأرض والمجتمعات البشرية المنتشرة عبرها، كما يدرسون تفاعل البشر مع بيئاتهم والطريقة التى يؤثر بها الموقع والأماكن على الناس، لذا فالجغرافيا تسعى لفهم مكان وجود الأشياء، ولماذا توجد هناك، وكيف تتطور وتتغير بمرور الوقت.
كل ما سبق يقود إلى أن الجغرافيا مادة مملة إما أن تحبها أو تكرهها، لذا فالتشويق والإثارة حين نقدم الجغرافيا للأجيال الجديدة أمور حتمية، أما ما تقوم به وزارة التعليم فهو أشبه بشخص يصر إصرارا على أن يحدث فجوة بين أطفالنا والنشء والوطن الذي يعيشون فيه، ولكنك ستقول لي ما هي فائدة الجغرافيا؟:
الجغرافيا هي المادة الوحيدة التي تسمح لنا ببناء فهم أعمق للعالم الذي نعيش فيه والبيئة الطبيعية والمناظر الطبيعية، والروابط بين الظواهر البيئية، وتعلم الجغرافيا البشرية الطلاب التعددية الثقافية واللغوية والتقاليد، ما يجعل من يستوعبها لديه القدرة على التعامل مع مختلف الثقافات، وتساعد الجغرافيا على بناء الفكر النقدى لأن الطلاب سيحللون مجموعات مختلفة متباينة، نتيجة لإدراكهم التنوع والتناقضات، ما يعزز مهارات الاتصال لديهم، وتساعد الجغرافيا الطلاب على فهم التغيرات في البيئة نتيجة للكوراث الطبيعية كالعواصف والاحترار، وتساعد الجغرافيا على تنمية مهارات التحليل باستخدام الرياضيات فالخرائط وحركة الرياح والأمطار والعديد من الظواهر المرتبطة بالجغرافيا تتطلب ذلك.
كذلك تنمي الجغرافيا مهارات حل المشكلات، من هنا تختلف الجغرافيا عن المواد الأخرى، فهي لا تهدف إلى إخبار الطالب بالقضايا فحسب، بل إلى تزويدهم بفرص في التفكير في الحلول أيضا، لذلك عند دراسة الجغرافيا يستخدم الطلاب مهارات حل المشكلات واتخاذ القرار في كثير من الأحيان.
كما أن تنمية الوعى المكانى هو النتيجة الحتمية لدراسة الجغرافيا، فالشعور بالمكان يساعد على تعزيز الانتماء للوطن، فضلا عن تعزيز القدرة على التنقل داخل الوطن وخارجه ويفسر العلاقات بين الأماكن.
هذا بعض من كل لأن مساحة المقال لا تسمح بأكثر من هذا، لذا فإن على وزارة التعليم إعادة إنشاء مادة الجغرافيا، فعلى الرغم من إدخال التابلت في التعليم والحديث عن التعليم المدمج، إلا أن مناهج التعليم لعدد من العلوم الإنسانية لا تزال دون المستوى، وهذا يفسر عدم استيعاب الطلاب لمناهج لا تواكب طرق تفكيرهم، فما بالنا بمادة أساسية للتعامل والتنقل في عالمنا المعاصر، وهذا ما يجعلني أدعو وزير التعليم لإقصاء مناهج الجغرافيا جانبا، ويمكنه في هذا السياق استدعاء عالم الجغرافيا المصري المرموق الدكتور عاطف معتمد الذي نجح في تقديم الجغرافيا للناس في صور مبسطة حتي جعل منها مادة شيقة، ما جعل ما يقرب من مائة ألف يتابعون صفحته على الفيس بوك بل ويتفاعلون مع أسلوبه الشيق الذى يقدم المعلومة فى أسلوب أدبي رشيق مع صورة أو فيلم، مثل (صندوق الكون .. الجغرافيا والأسطورة) أو (جبل عجيب فريد في صحراء مصر الشرقية) (جغرافيا للأطفال) (تعلب صغير وغزالة مذعورة) قدم عاطف معتمد عدة حلقات على قناته علي اليوتوب، فضلا عن عشرات الكتب المترجمة أو المؤلفه، لكن هذا يقتضي من وزارة التربية والتعليم بتكليفه بإعداد كتاب تفاعلي لمادة الجغرافيا يتضمن أفلاما وصورا وبيانات تصاحبه رحلات مدرسية، هذه النوعية من الكتب هي المناسبة للأجيال الجديدة، إذ يتفاعل المدرس والطالب مع المادة، بل يتشاركون في صياغة جغرافيا الحي أو المدينة التي تقع بها المدرسة.
كما أن على الدكتور عاطف معتمد أن يقدم كتاب (مختصر جغرافية مصر) حتى يعرف الناس في مصر بلدهم التي لا يعرفونها، فالثروات الطبيعية في مصر لا حصر لها، والمعرفة هى بداية التنمية، لذا فأحد فروع الجغرافيا مرتبط بالاقتصاد واكتشاف الموارد الطبيعية، فيجب على كل مصري أن يعرف ما هي مصر، أن الثلوج تسقط في سانت كاترين وأنها مناسبة لزراعات لا تصلح في مناطق أخرى في مصر، يجب أن نعرف أن الصحراء ورمالها كنوز لا تقدر بثمن وأننا لم نعمرها بعد كما يجب.