تولى محمد سعيد حكم مصر فى الفترة من 24 يوليو 1854 إلى 18 يناير 1863، وكانت فترة حكمه مثيرة للجدل، فكيف كانت حياته وكيف كان توليه للحكم؟
يقول كتاب تاريخ مصر من الفتح العثمانى إلى قُبيل الوقت الحاضر لكل من عمر الإسكندرى وسليم حسن:
كان سعيد باشا في حداثته محبوبًا من والده محمد علي، فربَّاه تربية عالية في مدارس فرنسا أهَّلته لتولِّي زمام الملك، وقليل من الأمراء مَن نال نصيبًا وافرًا من العناية كسعيد.
قبض على زمام الأمورِ والبلادُ في حالة حسنة؛ إذ كانت خالية من الديون الأجنبية، وكان دخلها السنوي البالغ ثلاثة آلاف ألف من الجنيهات كافيًا لسد كل حاجاتها، وكانت التجارة متقدمة والأراضي الزراعية آخذة في الازدياد، فلم يكُ ينقص البلاد إلا شيء من الحزم في حاكمها يستطيع به السير في سبيل المحافظة على مصالح الأمة حسب ما تقتضيه الأحوال، إلا أنه من سوء حظ البلاد لم تتوفر هذه الصفة في سعيد.
تولى الملْك وهو نشيط بطبعه محب للعمل؛ فكان مبدأ حكمه يبشر بحسن مستقبل مصر، لكنه ما لبث أن أخذ مقاليد الأمور كلها في يده ولم يثق بأحد من الوطنيين ليشركه معه في إدارة شئون الملك؛ فقضى على المجلس الخصوصي "مجلس النظار"، ولم يدرِّب أحدًا من أبناء الأمة على شئون البلاد حتى يكون له عونًا.
ولم يتبع طريقة عباس باشا في عزلته، بل كان يقابل الأجانب ويحادثهم ويكرم مثواهم، وبالغ في ذلك حتى ضاعت هيبته فلم يُفلح في حكم البلاد، ذلك إلى أنه أصبح بدينًا منغمسًا في اللذات، لا يقوى على مزاولة العمل بالجد والنشاط اللذَين عُهدا فيه من قبل، فاعتل نظام الحكومة ودب فيه روح الفساد وسوء الإدارة.
وكان شغله الشاغل مدة حكمه تنظيم الجيش، لاعتقاده أنه ماهر في الفنون الحربية؛ فكان يغيِّر في نظامه، ويبدِّل من حين لآخر، فتراه طورًا يجنِّد جيشًا يربو على 50000، وطورًا ينقصه إلى نصف ذلك العدد، متبعًا في ذلك ما تمليه عليه أهواؤه وميوله، وقد اختار نقطة القناطر الخيرية فجعلها معسكرًا لجيشه، لاعتقاده أنها مركز حربي هام لصدِّ غارات المُغِيرين، كما كان يقيم بجيشه كثيرًا في صحراء مريوط.
ومع ضعفه الأخلاقي، كان مخلصًا في اهتمامه بتحسين حالة البلاد التي كان يعتبرها كضيعته الخاصة؛ فعمل جهده في مد السكك الحديدية وحفر الترع وغرس الأشجار، وتحسين حالة الفلاح؛ فأصدر قانون الأراضي الشهير في عام (1274ﻫ/1858م) الذي به أصبح الفلاح لأول مرة المالك الحقيقي لما يفلحه من الأرض، ثم محا بعض الشيء من الاحتكارات المجحفة بحق الفلاح، وهو أول من وضع نظام الضرائب المتبع الآن بدلًا من الاحتكار والعشرية، وغيرها من المكوس التي كانت في عصر محمد علي.
غير أنه لم يشجع العلم وأهله؛ لأنه كان يعتقد أن فتح المدارس ينبه عقول عامة الناس، فيجعل قيادتهم أمرًا عسيرًا.
وأهم الحوادث التي حدثت في أيامه، بل أهم الأغلاط التي ارتكبها في مدة حكمه من الجهة المصرية اثنتان؛ الأولى: فتح باب استدانة الحكومة، والثانية: إذنه لفردناند «ديلسبس» بحفر ترعة السويس لتوصيل البحر الأبيض بالبحر الأحمر؛ ففي عام (١٢٧٨ﻫ/١٨٦٢م) أمضى عقد قرض في لندن مع «فِرِهْلِنْج غوشِن» بمبلغ ٣٢٩٢٨٠٠ جنيه، فلما تُوفِّي في عام (١٢٧٩ﻫ/١٨٦٣م) كان على البلاد ديون أجنبية قدرها ثلاثة آلاف ألف، وعليه هو ما يربو على ضعفَي ذلك؛ فكان ما تركه من الدَّين لخلَفه يبلغ عشرة آلاف ألف من الجنيهات تقريبًا.
وأما إذنه بحفر قناة السويس، فإنه عاد على البلاد وأهلها بالويلات، ونَضَب من أجلها مَعين ثروتها ورجالها، وقد حصل على هذا الإذن المسيو «ديلسبس» بما كان له من المكانة العالية عند سعيد قبل توليته، وبما كان يعده به من الفوائد التي تنجم من ذلك المشروع الخطير مع قلة النفقات، بدعوى أن كل ما يحتاج إليه من المال لحفر الترعة سيكون من فرنسا. وسيتضح لنا في الفصل التالي أن كل وعود ديلسبس كانت أضغاث أحلام وأوهامًا كاذبة، وأن معظم نفقات القناة كان من دماء الفلاح المصري.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة