عادل السنهورى

أكذوبة ديون مصر للإمبراطورية البريطانية

الخميس، 25 يوليو 2024 05:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

كثير من الأكاذيب والروايات الشفهية الملفقة والتى تداولها كل من لهم ثأر تاريخى مع ثورة يوليو 52 منذ السبعينيات وحتى الآن. هذه الأكاذيب فى زمن السوشيال ميديا ووسائل التواصل تنتشر مثل النار فى الهشيم ويعيد نشرها دون تأكيد وتوثيق ودون وعى بحقيقة هذه الأكاذيب والأضاليل مئات من رواد فيس بوك، خاصة من الأجيال الجديدة.

إحدى هذه الأكاذيب أكذوبة كبرى ما زال حزب الكارهين والحاقدين على زعيم ثورة يوليو جمال عبد الناصر يرددها على أنها حقيقة دامغة وهى مقولة "مصر كانت دائنة إنجلترا بملايين الجنيهات الاسترليني" فأين هى هذه الأموال؟


أى شخص عاقل يمكنه ببساطة وسهولة أن يصل إلى الحقيقة أو على الأقل بداية الخيط بالسؤال عن كيف لدولة محتلة وأوضاعها الاقتصادية متراجعة - وفقا لنشرات اقتصادية أصدرها البنك الأهلى المصرى قبل عام 52 - ويتحكم فى اقتصادها ومواردها المحتل الإنجليزى أن تستدين منها الدولة المحتلة؟.. بريطانيا العظمى التى لم تكن تغرب عنها الشمس. حتى لو افترضنا صحة الكذبة وصدقها، أليس من المفترض والمنطقى أن تطالب حكومات قبل الثورة الحكومة الإنجليزية برد الديون عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 45؟ ولما لم تفعل ذلك؟ وهل ثورة يوليو مسئولة عن إهدار هذه الديون؟


السؤال الأهم هنا هل هذه الديون كانت عبارة عن أموال سائلة أم ماذا؟!


المعلومات المدهشة هنا والتى لا يعرفها يقينا الكثير ممن يروجون لهذه الأكذوبة أن هذه الديون لم تكن أموالا سائلة أو ذهبا أو غيره. فعقب انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 تم تقدير الديون المستحقة لمصر لدى بريطانيا بمبلغ 450 مليون جنيه استرليني. وهذه الأموال كانت مقابل استخدام بريطانيا المنشآت والخدمات والمرافق والأغذية المصرية خلال الحرب. وليست أموالا نقدية دفعتها مصر لبريطانيا.


ونشأ عن هذا الوضع الشاذ ما أطلق عليه الأرصدة الاسترلينية لمصر لدى بريطانيا. ودخلت حكومات الوفد المتعاقبة مباحثات طويلة مريرة مع بريطانيا للحصول على هذه الأموال. ورفضت بريطانيا دفع جنيه واحد نقدا لمصر. ووافقت بالكاد على دفع هذه الأموال فى صورة سلع ومنتجات من خلال اتفاقيات طويلة.


يذكر جبرتى التاريخ المصرى عبد الرحمن الرافعى فى كتابه "ثورة 23 يوليو1952 تاريخنا القومى فى سبع سنوات 1952 إلى 1959 أن المبلغ المستحق لمصر لدى بريطانيا قبل قرار تأميم شركة قناة السويس عام 56 وصل إلى 112 مليون جنيه استرليني. هى كل ما تبقى لمصر من هذا الدين البريطانى الشاذ. وبعد قرار التأميم جمدت بريطانيا هذا المبلغ. وبالتوازى جمدت فرنسا أموال مصر لديها والتى تم تقديرها بعدة ملايين من الجنيهات. وجمدت الولايات المتحدة الأمريكية مبلغ 60 مليون دولار أودعتهم مصر وديعة لسداد ما تشتريه.


وفى 29 أبريل 1958 تم التوقيع فى روما على اتفاق أسس التعويضات لحملة أسهم قناة السويس. وصدر القانون رقم 63 لسنة 1958 وتم التوقيع على الاتفاق النهائى فى جنيف. ونص الاتفاق على دفع مصر مبلغ 28.3 مليون جنيه مصرى وتم تخفيض المبلغ إلى 23 مليون جنيه، بعد خصم 5.3 مليون جنيه حصلتها شركة قناة السويس دون وجه حق بعد قرار التأميم. ونص الاتفاق على دفع مصر هذا المبلغ على أقساط سنوية من أول يناير 1959 حتى أول يناير 1964.


وهنا طالب الرئيس جمال عبد الناصر بالأرصدة الاسترلينية المستحقة لمصر لدى بريطانيا قبل دفع التعويضات، وهو مبلغ 112 مليون جنيه استرليني.


ووافقت بريطانيا للمرة الأولى على دفع هذا المبلغ عدا ونقدا وليس سلع وخامات. وفى 28 فبراير 1959 تم بالقاهرة توقيع الاتفاق بين مصر وبريطانيا، وبموجب الاتفاق أفرجت بريطانيا عن الأرصدة المصرية الاسترلينية لديها نقدا. وتعهدت مصر بخصم مبلغ 27.5 مليون جنيه استرلينى من إجمالى الأرصدة الاسترلينية، كتعويض عن تمصير وتأميم الممتلكات البريطانية فى مصر بعد فرض الحراسة عليها.


بما يعنى أن مصر دفعت 23 مليون جنيه استرلينى تعويضات لحملة أسهم شركة قناة السويس، ودفعت 27.5 مليون جنيه ثمن الممتلكات البريطانية التى تم تأميمها، أى الإجمالى 50.5 مليون جنيه، تم خصمها من الأرصدة الاسترلينية المستحقة لمصر بقيمة 112 مليون جنيه، فتبقى لمصر نقدا مبلغ 61.5 مليون جنيه استرليني.


وعلى الفور أصدر الرئيس جمال عبد الناصر قرارا جمهوريا ينص على عدم استخدام هذا المبلغ إلا لأغراض اقتصادية وبإذن خاص منه شخصيا.


كما أفرجت فرنسا عن الأموال المصرية المجمدة لديها بعد قرار التأميم بموجب اتفاق مالى تم توقيعه بين مصر وفرنسا فى 23 أغسطس 1958، وأفرجت الولايات المتحدة عن مبلغ 60 مليون دولار أودعتها مصر لديها قبل قرار التأميم.


وهكذا استخدم جمال عبد الناصر الأرصدة الاسترلينية فى سداد مبلغ تعويضات الأسهم. ومبلغ تعويضات الممتلكات البريطانية. واسترد المبلغ المتبقى 61.5 مليون جنيه استرلينى نقدا وأموال سائلة، علاوة على شركة قناة السويس وأصولها بالكامل داخل مصر، ودخل قناة السويس أصبح خالصا لمصر.


هذه هى حقيقة قصة نهاية الأرصدة الاسترلينية التى كانت تمثل ديون بريطانية المستحقة لمصر. وحقيقة تعويضات قناة السويس التى كذب الكثيرون بشأنها وأدعوا بأنها بمئات الملايين من الجنيهات.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة