أحمد إبراهيم الشريف

سعيد الشحات غواص في بحر عمار الشريعي

الإثنين، 29 يوليو 2024 11:58 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

انتهيت من قراءة كتاب (عمار الشريعي سيرة ملهمة) للكاتب الكبير سعيد الشحات، والصادر عن دار ريشة للنشر، وقد استحوذ عليَّ الكتاب بكل ما فيه من حكايات وطريقة سرد وبحث وتنقيب وتحليل.

أول ما يتبادر إلى الذهن أن سعيد الشحات لم يتعامل مع عمار الشريعي على أساس أنه مجرد موسيقي مر من هنا، ولم يتعامل مع الكتاب على أساس أنه سيرة لملحن معروف، لكنه قدم دراسة وافية لكل جوانب عمار الشريعي، ليس هذا فقط، بل أحاط بعالم الموسيقى والشعر والغناء في مصر وقدم بانوراما لعصر من الإبداع.

لقد كان عمار الشريعي إنسانًا مختلفًا، وهذا هو الخيط الذي ربط كل فصول الكتاب،  وهو ما يلاحظه القارئ ونجح سعيد الشحات في إبرازه، فهو امتداد لأسرة "نبيلة" بالمعنى  الحقيقي، إلى جانب أن جدوده باشوات وبكوات، هم أيضا وطنيون ولهم مواقف معروفة ومسجلة في كتب التاريخ، ومع أنه ولد كفيفا لكنه تعلم منذ صغره ألا يكون موضعا للشفقة ولا مستسلما للعجز، ونجح في ذلك.

قدم الكتاب في مجمله صورة متكاملة للموسيقار الذي  بنى نفسه بنفسه متحديا كل المعوقات  ومانحا نفسه الحق في الحياة، وأشار سعيد الشحات إلى حائطي صد اعتمد عليهما عمار الشريعي في بناء حياته المفيدة الحافلة بالحياة والإنجاز.

الحائط الأول: أنه ابن أسرة لم تر في مصاب ابنها "ابتلاء"، وفي هذ الشأن استوقفتني شخصية الأب علي محمد الشريعي، الذي كان بالنسبة لابنه جبل الحماية من قسوة الحياة، حتى أن عمار يعلق بعد أحد المواقف المؤثرة في حياته فيقول واصفا ما فعله أبوه معه "حياتي المبكرة كانت تحتاج إلى أحد من صلبي يقوي ظهري"، ولم يكن دور أمه في ها الشأن أقل من دور أبيه.

أما حائط الصد الثاني فتمثل في رؤية عمار لنفسه، لم ير نفسه عبئا أبدًا، ولم ير نفسه ناقصا شيئا، بل اعتمد على الثقافة والتعليم في أن يحتل مكانته، واعتمد على أذنيه بدل عينيه، وخفة ظله بدل  الظلام المحيط به، وقدرته على التواصل مع الجميع بدل العزلة التي كان من الممكن أن يجد نفسه فيها.
 
لم يكتب سعيد الشحات عن عمار الشريعي لأنه أراد أن يكتب كتابا والسلام، لكنه فعل ذلك انطلاقا من إيمانه بقيمة عمار، يقول في مقدمة الكتاب "تمنيت هذا الكتاب منذ لقائي الأول مع الفنان عمار الشريعي عام 1997)،  كما يدل  الكتاب على أن سعيد الشحات أحاط بشخصية عمار وفهمها من خلال لقائه معه، ومن خلال ما جمعه من مادة، تأملها وحللها واستفاد منها، مقدما لنا رؤية متكاملة.

لم يظهر عمار الشريعي وحده في الكتاب، بل منح مساحة كبيرة لكل الفنانين من الشيخ سيد درويش إلى أجيال ما بعد عمار مارًا بمحمد عبد الوهاب والسنباطي وبليغ حمدي وسيد مكاوي وعبد العظيم عبد الحق وغيرهم، حتى أنه استخدم جملة مهمة عبرت عن مكانتهم في نفسه فيقول "يجلسون فوق أكتافي"، أما السيدة أم كلثوم فقد أفرد لها فصلا خاصا يليق بمكانتها في نفس عمار وروحه.

لقد أحب سعيد الشحات عمار الشريعي، وكان هذا واضحا في الكتاب، لكنه ليس حبا أعمى بل حب قائم على أسس علمية، ومن هنا راح عبر الفصول يتتبع رأي ورؤية عمار في الحياة والموسيقى، ويستعرض أكبر قدر من الشهادات والدراسات والمقالات والحوارات التي دارت حول عمار أو كان جزءا من صناعتها، وقدم كل ذلك في صياغة مميزة، بحيث صار كتاب "عمار الشريعي سية ملهمة" مرجعا مهما لا غنى عنه لكل من يريد أن يعرف عمار أو يعرف تاريخ الفن في مصر.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة