ما زلنا نعتقد أن حكومة مدبولى الجديدة بتشكيلها الحالى تأتى فى وقت مهم وأمامها ملفات متنوعة ومتعددة، تجاه ملفات كثيرة بعضها عاجل لا ينتظر التأجيل، والبعض له ضرورة متوسطة وبعيدة، فى ظل فترة مهمة ودقيقة، تتطلب عملا متجانسا من حكومة تعمل بروح الفريق ، وتتعامل مع كل الملفات فى وقت واحد، وأن تتعامل الحكومة من خلال توقع ونظرة للأمام وقدرة على توقع التفاصيل والتحولات، وترتيب الأولويات ليس فقط فى ملف الكهرباء والطاقة وإنما فى باقى الملفات، فالتغير المناخى والحرارة تضاعف استهلاك الكهرباء ويتطلب إجراءات عاجلة بتوفير احتياطيات الغاز والوقود، واتباع سياسة ترشيد مع التوسع فى الطاقة الجديدة والمتجددة، وكلها ملفات ترتبط بالصناعة وباقى التفاصيل.
وهذه الملفات العاجلة مثل الكهرباء والطاقة، والأسعار وضبط السوق ومواجهة التضخم، ليست ملفات منفصلة، لكنها تتصل ببعضها وغيرها، لأنها ترتبط بالإنتاج وتوفير فرص عمل والصناعة والتجارة وترشيد الإنفاق الحكومي، وهى ملفات تتشابك مع غيرها، وتتعلق بالاقتصاد والاستثمار وخرائطه بالمحافظات، وبالتالى فقد يكون الاقتصاد عاملا مهما يفرض نفسه على تفكير الحكومة بجانب ما يتبعه من ملفات أخرى.
مع الأخذ فى الاعتبار أن الواقع المحلى لا ينفصل عن تحولات إقليمية ودولية، وبالتالى هناك خطوط وضعها الرئيس فى خطاب تكليفه للدكتور مصطفى مدبولى، بتشكيل الحكومة الجديدة، منها تحقيق التطوير المرجو فى الأداء الحكومى ومواجهة التحديات التى تواجهها الدولة، والحفاظ على محددات الأمن القومى فى ضوء التحديات الإقليمية والدولية، ومن هنا يمكن النظر إلى وزارة الخارجية ومؤسسات الدولة المختلفة التى تتعامل مع الأمن القومى، بارتباطاته مع التحولات الإقليمية والدولية والعلاقات الخارجية، خاصة أن السنوات الأخيرة أثبتت كيف انعكست الصراعات والأزمات العالمية على الاقتصاد، الحرب الروسية الأوكرانية، وقبلها فيروس كورونا، ثم الحرب فى غزة والتى تتواصل منذ 7 أكتوبر الماضى وتفرض تحديات على الأمن القومى وتشابكات العلاقات الإقليمية، وتفرض على مصر مهام بحكم الموقع والمكانة تتعلق بمواجهة تداعيات الحرب وتتصدى لمخططات التهجير والتصفية.
وتدير مصر هذه الملفات بدقة وعمق، وقدرة على التواصل مع كل الأطراف، وتوضيح وجهات النظر والتعامل مع الأطراف الإقليمية والدولية ، وهو ما يجعل مصر محل ثقة إقليمية ودولية، بالرغم من تمسكها بسياسات واضحة حاسمة فى التعامل مع الملفات.
الرئيس عبد الفتاح السيسى فى تكليفه للحكومة بجانب تركيزه على أن تسعى الحكومة للتعامل مع الأسواق والأسعار، وهى مهام عاجلة، فقد حرص على توجيه الحكومة بالتعامل مع ملف بناء الإنسان ووضعه على رأس قائمة الأولويات، فى مجالات الصحة والتعليم، وهما من الملفات المهمة والتى تتعلق بالخدمات وحياة الناس، وقد أشرنا من قبل إلى ضرورة أن تستفيد الحكومة من نجاح المبادرات الرئاسية فى إنهاء فيروس سى أو 100 مليون صحة وإنهاء قوائم الانتظار للعمليات الخطرة، أو الكشف المبكر عن سرطان الثدى لملايين السيدات ممن كن يواجهن هذه الأمراض الخطرة، كل هذه المبادرات يمكن الاستفادة منها فى بناء منظومة الصحة والتأمين الصحى الشامل الذى يفترض أنه ينتهى خلال السنوات القادمة، ويتطلب رفع كفاءة المستشفيات العامة والمركزية، وهناك تشريعات تم إقرارها مؤخرا ترتبط بهذا الملف المهم.
ومن بين المهام التى تقع على الحكومة هو تطوير المشاركة السياسية، من خلال تنفيذ توصيات الحوار الوطنى، والسعى لإقرار تشريعات تتعلق بانتخابات النواب والشيوخ والمحليات، بجانب قوانين المشاركة السياسية وتوصيات الحوار الوطنى والتى أعلنت عنها أمانة الحوار، وسوف تكون موضوعا للقاء أمانة الحوار مع الحكومة، وهناك الكثير من التوصيات تتعلق بالتعليم والصحة والمشاركة والحريات وتم بالفعل الاستجابة لبعضها وننتظر تنفيذ الباقى، ومنها المجلس الأعلى للتعليم وربط التعليم الجامعى بسوق العمل.
وبجانب هذه الملفات تبرز ملفات الثقافة والوعى الوطنى، والخطاب الدينى المعتدل، على النحو الذى يرسخ مفاهيم المواطنة والسلام المجتمعي، ويتوقع أن تكون لدى الحكومة قدرة على التعامل مع هذا الملف باعتباره ملفا مهما لا ينفصل عن التعليم، وكلها تتعلق بقوة مصر الناعمة، وفتح المجال للابتكار والإبداع من خلال خطوات متوالية فى هذا الملف وغيره.
من هنا فإن حكومة الدكتور مصطفى مدبولى الجديدة عليها مهام وأمامها فرصة كبيرة لبناء ثقة والتعامل مع مطالب وشكاوى المواطن بسرعة وكفاءة وتناغم.