عصام محمد عبد القادر

رسائل إلى وزير التعليم قبل الجامعى

الجمعة، 05 يوليو 2024 05:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

يُدرك العالم بأسره أن مهنة التدريس من أشرف وأذكى المهن التى يعمل بها الإنسان على وجه البسيطة؛ ذلك لأنها تحمل رسالة سامية فحواها بناء إنسان يمتلك المقدرة على العطاء والبناء والعمل الجاد فى مجالاته المختلفة؛ لديه بنية فكرية سليمة تقوم على معارف صحيحة، يستطيع من خلالها أن يكتسب مزيدًا من الخبرات المربية، ويتمكن بواسطتها لأن يوظف تفكيره وما يتمخض عنه من مهارات فى تحقيق غايات شائكة، ومن ثم يشارك ويتعاون ويحدث أثرًا فاعلًا فى محيطه كمؤشر للمواطنة الصالحة فى صورتها المنشودة.

وفى هذا الإطار يتوجب أن يمتلك المعلمون صاحبو الرسالة السامية مهارات وكفايات مهنية وأكاديمية تمكنهم من الأداء التدريسى الفعال؛ فيستطيعون توظيف استراتيجيات وطرائق التدريس وأساليبه المبتكرة لخلقوا مناخًا يتأتى من أدوار حقيقية للمتعلمين عبر مهام أنشطة تعليمية إجرائية يتحدد من خلالها أدوار قطبى العملية التعليمية ويقع على المتعلم مناط التنفيذ تحت متابعة وإشراف وتعزيز وتغذية راجعة من المعلم، حتى يستشعر أبناؤنا فى مدارسنا أنهم محل اهتمام وتقدير يرونه فيما يتاح لهم من فرص واقعية تترجمها مهام الأنشطة التعليمية الابتكارية المشار إليها.

وعطفًا على ما سبق سيادة وزير التربية والتعليم نوجه رسالة مهمة تكمن فى ضرورة صقل المهارات الوظيفية لدى صاحب الرسالة السامية والتى تتأتى فى صورة مهارات التدريس الإبداعى ومهارات توظيف التقنية وفى القلب منها تطبيقات الذكاء الاصطناعى، ومهارات التقويم المتعدد؛ فقد بات قياس الجانب التحصيلى دون التركيز على مهارات التفكير العليا لدى المتعلم أمرًا غير مقبول ليس لدينا فقط، بل فى دول العالم التى تهتم ببناء إنسان تبحث عنه فرص العمل وليس العكس لما يتمتع به من مهارات متفردة وأداء فائق.

وفى رسالة أخرى نؤكد على تطوير التعليم أضحى يعتمد على ضرورة اكتساب مهارات استخدام وتوظيف تطبيقات الذكاء الاصطناعى فى تخصصاتنا التعليمية المختلفة؛ استجابة لأمور صارت مفروضة علينا، يأتى فى مقدمتها طبيعة المتعلم الذى صار رقميًا؛ فلديه شغف واهتمام بالغ حيال التعامل مع التقنية الرقمية وتطبيقاتها اللامتناهية، ثم لا ينبغى أن نغفل التطور التقنى متسارع الوتيرة والذى نستطيع أن نحقق من خلاله نتائج غير مسبوقة ترتبط بما نود إكسابه من خبرات للمتعلم ويعود علينا بتنمية مهنية مستدامة.

وهذا يستوجب أن نوفر متطلبات توظيف واستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعى التى تساعد صاحب الرسالة السامية فى تحقيق الأهداف الإجرائية للمحتوى التعليمى من خلال المزج بينها وبين استراتيجيات التدريس المناسبة لطبيعة المحتوى وخصائص المتعلمين لإكسابهم الخبرات التعليمية المتضمنة بمحتوى التعلم، وبالطبع يُسهم ذلك فى إعانة وتمكين المعلم من تصميم مواقف تعليمية جديدة (مهام الأنشطة التعليمية)، تحقق المزج التام؛ فتصبح البيئة التعليمية ذكية صالحة لكل من التعلم الفردى والتشاركى، كما يبقى التعلم المتمركز حول المتعلم.

وثمة رسالة ترتبط بتطوير المحتوى التعليمى المتضمن بمناهجنا الدراسية بتنوع السلم التعليمي؛ فنضطلع إلى رؤية مستقبلية لهذا التطوير، والذى نأمل أن يهتم من خلال المتخصصين بالمهارات المتقدمة التى يتوجب أن يمارسها أبناؤنا المتعلمون؛ حيث تمكنهم من البحث والاستقصاء والاستنتاج وعمق قراءة وملاحظة التفاصيل وسبر للتفكير بما يؤدى لمزيد من الإنتاجية، يقابل ذلك معلم لديه آليات مبتكرة، يقدم من خلالها تغذية راجعة فى وقتها المناسب، وتواصل يوصف بالبناء مع متعلمه، وطرائق وأساليب متنوعة تؤدى إلى إثارة التفكير واستدامة الدافعية وحب الاستطلاع؛ بما يساهم فى خلق يومٍ دراسى مليءٍ بالفعاليات التى تدحض الكلل، أو الممل، أو ضعف المقدرة على اكتساب خبرات تعليمية مستهدفة، وتصبح هناك حالة من الرضا متبادلة بين المعلم والمتعلم على السواء، ومن ثم تعمر مدارسنا ولا يخيم عليها هجران روادها من فلذات أكبادنا.

لقد سئمنا معالى الوزير فلسفة حقن الأذهان بمؤسساتنا التعليمية؛ فدعونا نميز بين حفظٍ يتلوه تطبيقٌ يسبقه فهمٌ واستيعابٌ، وبين حقنٍ للأذهان لا يفضى عن ثمرةٍ نترقبها؛ فعندما يحفظ المتعلم قانونًا ويطبقه على مسألةٍ تلو مسألةٍ وفق معطياتٍ متباينةٍ؛ فهذا ما نرجوه ونترجاه، يقابل ذلك حفظ المتعلم خطوات حل مسألةٍ بعينها دون فهمٍ أو فقهٍ لتطبيق القانون، ومن ثم يعجز عن حلها حينما تختلف المعطيات الخاصة بها؛ فلا مجال للتفكير الذى يعين الطالب على التطبيق بصورةٍ صحيحةٍ.

وفى رسالتى التالية أؤكد على أن النشاط التعليمى يشكل الممارسة الفعلية التى يؤديها المتعلم، وتترجم الأهداف الإجرائية التى تم صياغتها، ويرجى تحقيقها بواسطة المتعلم منفرداً أو بمشاركة زملائه، وتحت إشراف المتعلم، وفى ضوء طبيعتها تحدد مداخل، أو طرائق، أو أساليب، أو استراتيجيات التدريس، وأساليب التقويم، وآلية تنفيذ المهمة (فردية - جماعية)، والتغذية المرتدة، ونمط التعزيز، ونؤكد بأن التدريس لا يعنى شرح المعلم بالفصل فقط؛ فهذا جزء من كل، ولا مناص من أن يؤدى المتعلم دوره غير منقوص فى البيئة التعليمية النظامية.

إن الرسائل عديدة بشأن تطوير المؤسسات التعليمية المصرية بالمراحل قبل الجامعية؛ لكن مسك الختام برسالة تحمل مطلبًا شعبيًا ملحًا تتمثل فى تعضيد النسق القيمى والارتقاء بالأخلاق الحميدة، ومن نعمل بكل جهد على إنارة عقول المتعلمين، بالفكر المعتدل ونشكل بنى معرفية صحيحة، ونحرص على أن نعدل من سلوكياتهم فى ضوء ضوابط ومعايير محددة تقبلها ثقافة الأسرة والمجتمع، ونهذب طباعهم، ونوضح لهم الغامض والخفى، ونربط لهم بين الماضى والحاضر؛ لنخلق فى نفوسهم الأمل واليقين، ونؤهلهم لبناء المجتمع الناجح القائم على فهم الحياة ومتطلباتها، ونوفر لهم المساحة التى يمتلكون من خلالها مهارات القرن الحادى والعشرين؛ حيث الابتكار والتجديد فى بيان وكيان مجتمعاتهم؛ نتمنى لكم معالى الوزير دوام التوفيق والسداد.. ودى ومحبتى لوطنى وللجميع.

حفظ الله وطننا الغالى وقيادته السياسية الرشيدة أبدَ الدهر.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة