جهود مصرية كبيرة، لاحتواء الأزمات الإقليمية المتواترة، تتراوح بين مؤتمرات وجولات تفاوضية، وقمم دولية وإقليمية، تهدف في الأساس إلى تحقيق أكبر قدر من التوافق، حول العديد من القضايا المشتعلة في منطقتها، وهو ما يعكس حقائق عدة، أبرزها الثقة الكبيرة التي تحظى بها الدولة المصرية على العديد من المسارات، سواء على المستوى الدولي، وهو ما يبدو في النجاح الكبير الذي تحقق على صعيد القضية الفلسطينية، خلال الأشهر الماضية، في أعقاب قمة القاهرة للسلام، والتي أكدت على الثوابت، وعلى رأسها حل الدولتين، وحقوق الفلسطينيين في تأسيس دولتهم المستقلة، بينما المسار الثاني يتجسد في ثقة الأطراف الإقليمية، وهو ما يتجلى في تعزيز علاقاتها مع كافة القوى الفاعلة في المنطقة، والعمل معها بصورة جماعية لتوسيع نطاق التوافقات، بينما يبدو المسار الثالث في حاجة أطراف الصراع أنفسهم للدور المصري، في ضوء ما يحظى به من نزاهة، ناهيك عن إدراكهم للثقل الإقليمي الكبير الذي تحظى به القاهرة، وبالتالي استحالة تجاوز دورها فيما يتعلق بالأزمات الإقليمية الكبرى.
ولعل الحديث عن الزخم الكبير الذي حظت به الدبلوماسية المصرية في الفترة الأخيرة، نجد أنه تجلى في جزء كبير منه في استضافتها للعديد من الأحداث الهامة، خاصة الطارئة منها، والتي جاءت للتعامل مع مستجدات كبيرة، على غرار العدوان على غزة، والذي تماهت معه مصر بالدعوة إلى قمة عالمية، بعد اندلاعه بأيام قليلة، حظت بقبول دولي كبير، سواء من حيث المشاركة الفعالة لعشرات الزعماء حول العالم، أو من حيث ما آلت إليه من توافقات كبيرة، وهو ما يعكس نجاعة المسار الأول، والمتجسد في حالة الثقة الدولية، وهو الأمر الذي عززته الزيارات الهامة التي أجراها العديد من الزعماء إلى مصر، ناهيك عن الاستجابات المتواترة لدعواتها، بالضغط على الاحتلال لقبول وقف إطلاق النار تارة، بالإضافة إلى ضرورة الوصول إلى حلول مستدامة للصراع تارة أخرى، وفي مقدمتها إنهاء الاحتلال، والاعتراف بدولة فلسطين، وهو الأمر الذي أعلنته عدة دول أوروبية محسوبة على المعسكر الموالي للدولة العبرية.
الجهود الكبيرة التي تبذلها الدبلوماسية المصرية، خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع أزمة العدوان على غزة، لا تقتصر البعد الدولي بمفهومه الكبيرة، وإنما هناك مفاوضات ربما أكثر أهمية، تخوضها الدولة مع الأطراف الإقليمية الفاعلة في منطقة الشرق الأوسط، في إطار المسار الثاني، من أجل تحقيق حالة من "الإجماع" بين دول المنطقة، حول حقوق الفلسطينيين، سواء المرتبطة بلحظة العدوان، والتي تدور حول البعد الإنساني ودخول المساعدات إلى قطاع غزة، أو الجانب التاريخي منها، والمتمثل في حقهم إقامة دولتهم، وهو ما تترجمه العديد من الثنائيات، التي رسمتها مصر، سواء مع الأردن، لتحقيق توافقات أوسع نطاقا، في الإطار السياسي والديني للقضية، باعتبارهما يعملان معا في إدارة المفاوضات السياسية، وتلك المرتبطة بالمقدسات الدينية في القدس، والتي تحظى بالرعاية الهاشمية أو مع دولة قطر، في الإطار الميداني، في ظل قيادتهما معا لمفاوضات وقف إطلاق النار، وما يرتبط بها من ملفات هامة وحيوية، على غرار ملف تبادل الأسرى.
وتعد جولات المفاوضات، التي يخوضها الجانب المصري، مع طرفي الصراع، سواء في القاهرة أو الدوحة، يمثل تجسيد للمسار الثالث المشار إليه، والمتمثل في إدراك أطراف الصراع لأهمية الدور الذي تلعبه القاهرة، واستحالة تجاوزها، وهو ما يبدو في الجولة الجديدة من المفاوضات، والتي من المقرر استضافتها في مصر، يوم الخميس المقبل بهدف وقف الحرب الدائرة في قطاع غزة منذ شهر أكتوبر الماضي، هو ما يرتبط في الأساس بالحالة اللحظية الراهنة، والمرتبطة بالعدوان، حيث يبقى الهدف الرئيسي منها هو الوصول إلى وقف إطلاق النار، والضغط على الاحتلال من أجل توصيل المساعدات الإنسانية لسكان القطاع.
الجولة المرتقبة من المفاوضات، والمقررة في القاهرة، تمثل تجسيدا للنهج المصري، في علاج الأزمة الراهنة، والتي تعد بمثابة انعكاسا لحقيقة التعامل مع كافة المسارات المرتبطة بأسلوب متزامن، ففي الوقت الذي حرصت فيه على تعزيز الثوابت الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين سواء السياسية أو الإنسانية على المستوى العالمي، حرصت في اللحظة نفسها على تحقيق إجماع إقليمي، يضفي المزيد من الثقل للقضية، في حين يبقى المسار الثالث متمثلا في إنهاء الحالة اللحظية للصراع، عبر التواصل المباشر مع أطراف الصراع، من أجل الدخول في مراحل جديدة من التفاوض، لخدمة المسارات الأخرى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة