قبل أن يدفع الأستاذ المساعد نصر حامد أبو زيد بأبحاثه إلى لجنة الترقيات فى جامعة القاهرة لنيل درجة الأستاذية، كان يتابع من مكتبه المد الوهابى، وهو يقفز إلى أسوار الجامعة متسللا إلى الدكاترة والمدرسين ومدرجات الكليات والطلاب ولجان الأبحاث، التى تراجعت فيها علامات الاستفهام لتحتل مكانها الإجابات القطعية الجاهزة عن الله والإنسان والحياة والموت والآخرة.
كان ذلك بداية التسعينيات والجماعات الإرهابية قد تمكنت من اغتيال رئيس مجلس الشعب -آنذك- "رفعت المحجوب" والشوارع ممتلئة عن آخرها بملصقات دعوات ارتداء الحجاب، وأخرى تزين وسائل المواصلات تلح على أعين الركاب بأحاديث تجرم نزول النساء إلى سوق العمل، وأخرى تحرم تجاور الرجل والمرأة على نفس ذات المقعد، فى الوقت الذى كانت فيه دعوات المشايخ تتنامى - عبر أشرطة الكاسيت - بفتاوى تدعو المصريين باستثمار نقودهم فى شركات توظيف الأموال، لأن وضعها فى البنوك نوعا من الربا.
نصر حامد أبو زيد كتب حينها مقالا فى جريدة الأهالى انتقد خلاله أستاذا جامعيا جمع بين وظيفته الأكاديمية وعمله لصالح إحدى شركات توظيف الأموال كمستشار لها، مهاجما آنذاك ذلك الأستاذ وتلك الشركات، التى تخدع ملايين المصريين وتنهب أموالهم تحت مزاعم دينية كاذبة.
لم يدر فى خلد نصر حامد أبو زيد، حينها، أن تلك المقالة ستجره إلى متاعب لا حصر لها، وتقدم إلى لجنة الترقيات بجامعة القاهرة للحصول على درجة الأستاذية بكتابى "نقد الخطاب الدينى" و"الإمام الشافعى وتأسيس الأيديولوجية الوسطية" ومعهما عدة أبحاث.
شكلت لجنة كما هو متبع من 3 دكاترة لقراءة الأعمال المقدمة وتقييمها، كان من المفترض أن تخلص اللجنة إلى نتيجة خلال شهرين، لكن اعتراض رئيس اللجنة الدكتور شوقى ضيف على رؤية نصر حامد أبو زيد النقدية فى فقه الشافعى قد تسببت فى الوصول إلى قرار إرجاء إعلان نتيجة الترقية.
فى الثانى والعشرين من أكتوبر تنحى الدكتور شوقى ضيف عن لجنة التقييم، وطلب إعفاءه لأن إنتاج المتقدمين إلى الترقيات غزير ومتشعب، ولا تسعفه ظروفه الصحية للمتابعة، ليولى مكانه دكتور عبد الصبور شاهين رئيسا للجنة قراءة وتقييم أعمال نصر حامد أبو زيد.
لم يكن تنحى الدكتور شوقى ضيف بريئا خالصا لوجه الله، فرئيس اللجنة الذى أحله مكانه هو أستاذ بكلية دار العلوم وإمام مسجد عمرو بن العاص ومستشار شركة الريان لتوظيف الأموال، هو نفس الأستاذ الذى سبق وأن انتقده نصر حامد أبو زيد فى مقالته بجريدة الأهالى.
بالطبع وجد عبد الصبور شاهين الفرصة سانحة أمامه، ليرد الصاع إلى نصر حامد على مقالته، فكتب تقريرا سيئا انتقد خلاله أعمال نصر حامد أبو زيد طاعنا فى إيمانه ورافضا ترقيته إلى درجة الأستاذية، ليشتد بعدها الخلاف مرة أخرى بين قسمى اللغة العربية الذى ينتمى إليه نصر حامد أبو زيد، وكلية دار العلوم الذى يترأسها عبد الصبور شاهين، حول ترقية الأستاذ المساعد للدرجة التى دفعت عبد الصبور شاهين إلى إنزال سلاحه الثقيل إلى ساحة المعركة، فقام بتسريب تقريره إلى الصحف المصرية متضمنا مطاعنه فى إيمان أبو زيد.
بعدما خرجت القضية إلى الصحف المصرية ومنابر المساجد، لم يعد مجرد خلاف بين قسمى اللغة العربية ودار العلوم حول أحقية ترقية أستاذ جامعى، بل صور الأمر على أنها معركة بين شيوعيين قدامى يروجون إلى الإلحاد داخل الحرم الجامعى يقف أمامهم حراس الشريعة وحماة الإخلاق القويمة.
انتشرت القضية - كما قدر لها - بين المواطنين بسرعة البرق، وتحولت لقضية رأى عام.
ظل نصر حامد أبو زيد فى ذلك الجو المشحون يدافع عن قضيته، يكتب فى الصحف والمجلات أبحاثه وأفكاره ورؤاه، إلى أن جاء عام 93 ودخل المحامون الإسلاميون إلى ساحة الحرب، رفع المحامى صميدة عبد الصمد وآخرون دعوة حسبه إلى القضاء، طالبوا خلالها بتفريق نصر أبوزيد عن زوجته، لتجدد المعارك الكلامية داخل الجامعة وبين الأستاذة وعلى المنابر وفوق صفحات الجرائد مرة أخرى حتى تمخض كل ذلك يوم 14 يونيو 95 بإصدار المحكمة حكما بتفريق أبو زيد عن زوجته.
تلقى الدكتور حامد أبو زيد فى ذلك اليوم اتصالات عديدة من شخصيات عامة من الوطن وخارجه، أغلبها كانت تحمل معانى تضامنية تشاركية تؤكد أن قضية أبو زيد ليست قضية شخصية، لكنها قضية مجتمع ولن يتخلوا عنه.
كان أبو زيد حينها - فى قراراته - يعرف أن القانون قد خذله بشرعنة كفره وإهدار دمه بإعلان خروجه عن الملة - لذلك فى العام ذاته - خرج أبو زيد من مصر إلى غربة دامت لأكثر من 15 عاما، غربة لم تنته إلا بعدما أصابه فيروس نادر فعاد إلى أرض الوطن فى 2010، ومات بعد حياة فكرية مليئة بالكفاح والعرق والعصامية والرجولة فى مواجهة خصوم وعصر لا منطق له.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة