انتهيت، مؤخرًا، من المجموعة القصصية "تاجر الحكايات" للمبدع حسن عبد الموجود، وهي المجموعة الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية، وتحتوي عددًا من النصوص القصصية المتنوعة، لكنها في مجملها تمثل حبات عقد متصل ودال في اكتماله على عالم حسن عبد الموجود، ورغبته الدائمة في قص الحكايات.
بداية من العنوان نجده يوحي ببائع متجول يدور في شوارع وقرى الصعيد، وبضاعته التي يحملها عبارة عن "حكايات" جمعها من الناس هناك وها هو يعيدها إليهم مرة أخرى، لكنه بعدما مزجها بالفن، ولأنه تاجر متجول وسريع الحركة جاءت قصصه قصيرة، أي أنها سريعة ومكتملة في الوقت نفسه، ومتنوعة حسب تنوع الزبائن وطريقتهم في الفهم وتلقيهم للحكايات.
من ناحية أخرى تتعدد الأنماط الفنية التي استعان بها حسن عبد الموجود للتعبير عن هذه التجربة القصصية المختلفة، ويمكن لكنا أن نشير سريعا إلى بعضها:
• يقدم حسن عبد الموجود في أعماله الأدبية بيئة خاصة، نعم تغلب عليها أنها صعيدية، لكنها حتى في صعيديتها مختلفة، فهو تميل إلى مدن الصعيد وليس إلى قراه، فنلمح من المدن نمط حياتها واستقلاليتها لكن على طريقة أهل الصعيد وسمتهم في الحياة، وطباعهم التي تسري مسرى الدم في عروقهم.
أتحدث هنا عن الغلبة وليس عن الكل، فالمجموعة فيها تنوع في البيئة، كما أن بها عدد من القصص لا تشير إلى البيئة لأنه ليس موضوعها، بل موضوعها هو الإنسان أو الحكاية نفسها، والتي من المكن أن تحدث في أي مكان.
• كما ينشغل حسن عبد الموجود أيضًا بعين الطفل، ويمنحها مساحة كبرى في المجموعة كي تحكي الحكايات وتتسلل للبيوت المجاورة وتتلصص على ما يجرى هناك، ويتميز حسن في ذلك، فعين الطفل فعلا هي بوابته للتعبير عما يحس به، ولأننا لن نستطيع أن نتوقف عند كل القصص التي جاءت من وجهة نظر الطفل في المجموعة، فهي قصص متعددة ومختلفة، لكن سنختار قصة "الغيرة" وهي نموذج لطريقة التفكير الطفولي، حيث الأخ يغار من شقيقه المحجوز في المستشفى بسبب التسمم، لأن الناس يزورونه ويعطونه الحلويات والعصائر.
• تحفل المجموعة بدرجة من "السخرية" من الذات والآخر بل ومن العالم كله، وتأتي هذه السخرية عادة في القصص التي بها درجة عالية من الشجن، وربما يكون سبب ذلك خشية حسن أن ينزعج القارئ من هذا الشجن، بالتالي يمنحه درجة من تخفيف التوتر، وقد تكون قصة "المقبرة" معبرة عن هذا النمط من السخرية.
وقد تأتي هذه السخرية كسبيل لمواجهة العالم المتوحش الذي ينظر إلينا بوصفنا عبئًا عليه، ونضرب مثلا هنا بقصة "الكوليرا" التي يقول فيها "تنطقها أمي (الكريرا) وتفضل استخدامها في الدعاء عليَّ: يا رب كريرا تخلص عليك".
• يمنح حسن عبد الموجود للكائنات مثل الحيوانات والأشجار حضورا في المجموعة، وإن لم تأخذ هذه الكائنات البطولة هذه المرة مثل مجموعته السابقة "البشر والسحالي"ولكنها حاضرة بصورة واضحة، وتعمل على مستوى لغوي معين يخصها ولعل قصتي (الأرنب، والشجرة) كشفت كل منهما عن أثر هذه الكائنات في المجموعة.
• تعددت في المجموعة النماذج البشرية لكن بالمجمل يجمع هذه الشخصيات بالطبع أمران، الأول دراميتها التي صنعت منها قصة، والأمر الثاني أنها مثقلة بطريقة ما، ربما بالماضي الرابض على الأكتاف، أو بالواقع المثير للفزع بسبب مطالبته لاتخاذ موقف ما، وهي شخصيات أبسط من أن تتخذ موقفا وتجبر عليه.
وتظل مجموعة "تاجر الحكايات" تجربة جديدة خاضها حسن عبد الموجود بكل شجاعة مراهنا على التكثيف وكشف أنماط جديدة من الشخصيات مثلت عالما قصصيا يحتفي بالحكي انطلاقا من كون الحكاية هي زاد البشر في مواجهة الحياة.