عادل السنهورى

" صورة على جدار قديم" بين مصر والجزائر

الخميس، 01 أغسطس 2024 02:23 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

ليست مجرد صورة قديمة وليست فقط رواية أدبية حديثة والمؤلف ليس مجرد كاتب عادي

الصورة القديمة المعلقة فوق جدار غرفة أو صومعة الأستاذ " جمال شعراوي" المدرس المصري الذي سافر الى الجزائر لتدريس اللغة العربية من بين 70 ألف مدرس مصري سافروا الى كافة أنحاء بلد المليون شهيد في معركة التعريب بعد معارك التحرير وانتصار الثورة الجزائرية بدعم سياسي وعسكري واجتماعي كامل من مصر عبد الناصر والتي رسخت لعلاقات غير عادية بين الشعبين.

والرواية " صورة على جدار قديم " تعد من الروايات غير المسبوقة في الأدب العربي التي ترصد وبعمق قصة العلاقة الرائعة بين المصريين والجزائريين في فترة التوهج والازدهار في الخمسينات والستينات وبداية السبعينات والتي تلخصها قصة الحب والزواج بين الأستاذ جمال شعراوي المدرس المصري و"فاهيمة" المدرسة الجزائرية والتي توجت بالزواج وثمرته الطفلة مليكة تجسيدا حقيقيا لقصة علاقة تاريخية غير مسبوقة بدأت عام 54 ولم تنته في عام 73   
الرواية التي تصدر قريبا من الهيئة العامة للكتاب ترصد بتفاصيل ممتعة وجديدة من خلال بطل الرواية " جمال شعرواي" وباقي الأبطال وهم من الجزائر المثقف اليساري سامي احدادن والإسلامي الشيخ يوسف والزوجة " فاهيمة رابح" وصديقتها الفرنسية الجزائرية" أوداج" ومن مصر الجد " عثمان شعراوي" والابن "رابح ". ترصد واقع الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في تلك الفترة في الجزائر وفي مصر وطبيعة العلاقة الوثيقة على المستوى الشعبي بين البلدين
يرصد الكاتب الصحفي والأديب الكبير الصديق محمد غزلان هذا الواقع وتأثيراته منطلقا من الابن " رابح" الذي أدهشه تسميته بهذا الاسم غير المتداول ومعروف في مصر وسر تسمية أخته " فاهيمة" – وليس فهيمة كما نكتبها في مصر- وزالت تلك الدهشة مع معرفته من خلال سجل القيد الذي استخرجه من إدارة الجوازات بالعباسية بعد تخرجه من كلية الطب بان لأبيه زوجة أولى جزائرية اسمها " فاهيمة رابح" ظل يكابد الشوق والحب والحنين لها رغم مرور سنوات طويلة على مغادرته الجزائر وعودته الى مصر ورفض زوجته المجيء معه وبقاءها ثم اختفاءها مع ابنته " مليكة" طوال ربع قرن تقريبا، وهو ما جعله جاثيا على أحزانه ومتكئا على حالة الفقد والحنين لزوجته وابنته ومتواصلا بالرسائل الورقية مع أصدقاء ورفقاء الحياة في الجزائر وحتى صديقة زوجته الفرنسية التي عادت الى مدينتها " مرسيليا".
يمزج غزلان بين واقع الحياة بين مصر والجزائر برشاقة تصويرية ممتعة تجعلك مصمما بعناد لطيف على القراءة حتى آخر الرواية من خلال الأحياء الشهيرة والمعالم في الجزائر ومصر والعادات والتقاليد الاجتماعية في البلدين، برؤية أديب وصحفي عاشق المكان والزمان وزار الجزائر مرتين وربطته ببطل الرواية قبل وفاته علاقة وثيقة ونسج من خلال حواراته معه الرواية بتفاصيلها الدقيقة لواقع الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الجزائر وطبيعة العلاقة مع المصريين من خلال المدرسين الذين ذهبوا الى هناك في اطار معركة التعريب
من يقرأ الرواية يجد نفسه غائصا في تفاصيل الحارات والشوارع والبيوت والأماكن العامة في الجزائر وخريطة العلاقات السياسية المحلية ودواخل الشخصيات الجزائرية، ويجد نفسه أيضا عاشقا وتواقا للزواج من المرآة الجزائرية الطيبة والحنونة والمطيعة والمتجددة والماهرة والمخلصة طوال الوقت وتأخذك الى عوالم وزمن مغاير تماما تغلفه ستائر الحنين والرومانسية والفقد. اذن انت تعيش الى حد الاستغراق من خلال رواية " صورة على جدار قديم" تفاصيل الحياة في جزائر الخمسينات والستينات وقبلهما أيضا من خلال الجد عثمان شعراوي وأصدقاءه الجزائريين الذين تعلموا في الأزهر الشريف   
لم يترك غزلان تفصيله واحدة عن جزائر الستينات ونضال الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وأبطال هذه الثورة وخاصة من النساء مثل جميلة بوحيرد- وليست بوحريد- ثم تقسيمة المكون السياسي للخريطة الحزبية وتطوراتها بعد ثورة التحرير وخلافاتها التقليدية بين التيار الوطني واليساري وبين الإسلاميين، وتأثير نكسة 5يونيو على الشعب الجزائري الأصيل ووقوفه الى جانب مصر وشماتة البعض من "المتفرنسيين" في الهزيمة ولم يكن غريبا على الشعب الجزائري الخروج في مظاهرات كبيرة عقب اعلان عبد الناصر التنحي ومطالبته بالبقاء واستمرار الصمود والاستعداد لمعركة التحرير
ينسج محمد غزلان في روايته علاقة الحب بين جمال وفاهيمة برومانسية غاية في الشفافية بين خجل ومواربة دون خداع أو لوع، وصراحة وصدق شديد يغلفه الحياء، بالنظرات المتبادلة الصامتة التي تحمل رسائل الحب ومصارحة لأول مرة من جمال ورد فاهيمة عليه على الطريقة الجزائرية " أنا نموت عليك"- يعني أنا بأحبك موت بالمصري - دون تفسير لثنائية الربط بين الحب والموت- ثم الدخول في تفاصيل الزواج والمهر والمؤخر وليلة الدخلة والنقوط في الصباحية أو " الصبوحي" الجزائرية والزيارات التي ينطبق عليها المثل " يا بخت من زار وخفف"
عاش جمال وفاهيمة قصة حب وعلاقة زواج ولا أروع لمدة عامين تقريبا قبل عودته وحيدا الى مصر عقب انتهاء اعارته للجزائر دون زوجته وابنته ثم عودته بسنوات الى الجزائر العاصمة ووهران وباريس للبحث عنها بعد انقطاع رسائلها فجأة دون جدوى، فيعود حزينا أسفا على فقدانها ليعيش حالة حزن مقيم واكتئاب وعالم خاص ممنوع الاقتراب منه وبذكريات وبرسائل وبصورة معلقة على الجدار له مع فاهيمة وطفلته مليكة، رغم زواجه عقب عودته بعدة سنوات وانجابه طفلين أصر أن يكونا ذاكرة حية لحياته مع حبه الأول والأخير وهما " رابح" و "فاهيمة" وأغلق غرفة تذكاراته القديمة دون بوح حتى كبر رابح فأزاح له بأسى ودموع وفرح وغناء لأم كلثوم وشارل ازنافور وبعض مطربي الجزائر القدامى، ستار كثيف كان يغطي قصة حبه وزواجه
النهاية المدهشة للرواية لم تكن منتظرة من المؤلف الذي لم يرغب أن يترك الحزن والفقد مسيطرا على القارئ ويترك النهاية مفتوحة ومبللة بالدموع والحنين، فقد فاجئ غزلان القارئ وبعد أفضى الأب جمال للابن رابح بكافة الأسرار برسالة عبر الانترنت والماسينجر كانت كالأتي:"
- انت الدكتور شعراوي
- من مصر من السيدة زينب وقلعة الكبش..!
- أنا قادمة الى مصر قريبا لأراك
- أختك الدكتورة مليكة..!!
ربما تكون النهاية حقيقية أو ربما أراد أن يخفف " غزلان " من حالة الحزن والحنين والكآبة والفقدان المسيطرة على كلمات الرواية منذ البداية وحتى آخر كلمات رسالة ابنته الدكتورة مليكة.. نهاية تبدو سعيدة للحكاية المصرية الجزائرية التي لخصتها " صورة على جدار قديم"، وهو عنوان الوراية التي تستحق أن تقرأ ويحتفي بها في القاهرة والجزائر ووهران.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة