طال انتظارنا لأسبوعيين حتى شاهدنا علم مصر يرتفع وسط أعلام الدول الفائزة بالميداليات في الألعاب الأوليمبية بباريس ويصدح النشيد الوطني المصري لأول مرة ويردد ملايين المصريين " بلادي بلادي" لحظة تتويج البطل المصري أحمد الجندي بالميدالية الذهبية في رياض الخماسي الحديث بعد فوز البطلة سارة أحمد بالميدالية الفضية في رفع الأثقال والبطل الأوليمبي محمد السيد بالبرونزية في سلاح الشيش
الفوز في مناسبة رياضية عالمية مثل أولمبياد باريس التي تابعها وشاهدها عبر شاشات التليفزيون ملايين البشر حول العالم يتجاوز في تأثيره وصداه حدود الدولة الفائزة وحدود الرياضة الى تأثيرات اقتصادية وسياسية وثقافية، فالرياضة تمازجت مع السياسة والثقافة والاقتصاد والدين أيضا، فالرياضة " أمن قومي" للدول وقوة ناعمة تؤثر من خلالها في محيطها الإقليمي والعالمي. وتحقق من خلالها العديد من المكاسب.
فالمسالة ليست مجرد ميدالية وانما سمعة واسم الدولة وشرف اللعب باسمها في أكبر وأقدم محفل رياضي عالمي، وصدى دولي له مردوده الإيجابي والغير مباشر سياسيا واقتصاديا وسياحيا.
فالكل – وخاصة دول العالم النامي-يتنافس من أجل رفع اسم بلاده وعلمها عاليا ولفت انتباه العالم المتقدم لما تحققه من إنجازات رياضية وحصيلة ما أنجزته على أرض الواقع
فالتفوق في محافل الرياضة الدولية يعني أشياء كثيرة ويعكس معاني عديدة أهمها حالة الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني ويبعث برسائل سياسية آخري من الدول والشعوب التي تواجهه ظروفا سياسية معينة للفت الانتباه الى قضيتها وكسب تعاطف العالم معها. فالرياضة ليس فقط ألعاب وبطولات. الرياضة أصبحت سياسة واقتصاد وثقافة وسمعة أمم.
في أولمبياد باريس بحث مئات الملايين عبر محركات البحث على الانترنت عن اسم وموقع جزيرة سانت لوسيان بعد فوز العداءة جوليان ألفريد بطلة سانت لوسيان وحصولها على ذهبية في سباق 100 م وفضية في سباق 200 متر والبعثة مكونة من 4 أفراد فقط..!!
وسانت لوسيان جزيرة صغيرة في البحر الكاريبي مساحتها 260 كيلومتر مربع وعدد سكانها حوالي 200 ألف نسمة
وبحثوا عن منغوليا هي ثاني أكبر دولة غير ساحلية حبيسة في العالم بعد كازاخستان والأقل ثقافة سكانية في العالم- وتقع في قارة أسيا بعد فوز بطلتها افودورجين باسانخو بالميدالية فضية في الجودو فئة 48 كجم
وجزر فيجي التي تقع في جنوب المحيط الهادئ ويبلغ عددها سكانها نحو 930 ألف نسمة حيث حصل فريق الرجبي السباعي للرجال على الميدالية الفضية وجزيرة الدومينيكا في البحر الكاريبي وعدد سكانها 73 ألف نسمة والتي حصلت بطلتها نويليفا لافوند على الميدالية الذهبية في القفز الثلاثي.
مصر فازت بثلاثة ميداليات وفرح الناس في اليوم قبل الأخير بعد إخفاقات عديدة للبعثة – الأضخم في تاريخ المشاركات المصرية في الأولمبياد- صاحبها حوادث غريبة لعدد من أعضاء البعثة كانت – ومازالت- مثار غضب واستنكار ومطالبات بالمحاسبة والتحقيق، وأعضاء أخرين تاهوا في زحام الفروقات الشاسعة في المستوى الرياضي وكأن المشاركة في الأولمبياد هو جائزة وتكريم وليس للمنافسة على المراكز الخمسة أو العشرة الأولى في الألعاب الرياضية، فجاءت النتائج هزيلة للغاية واحتل غالبية أبطالنا المراكز الأخيرة أو قبل الأخيرة في أفضل أحوالها.
وضاعت توقعات مسئولي البعثة الأولمبية بالفوز بما يقارب 7 أو 11 ميدالية أولمبية وسط حالة الفوضى والعشوائية ومجاملات سفر " الأهل والأقارب والمحاسيب " للفسحة في بلاد النور والجمال والموضة على حساب المال العام والتفاصيل كثيرة.
الجدل وحالة الاستياء الجماهيري جاء من حجم المشاركة والانفاق الكبير على رياضيين ورياضيات ، فقد شارك 164 رياضيا ورياضية مصرية في أولمبياد باريس وهي البعثة التي احتلت المركز 18 في ترتيب أكبر البعثات الرياضية الأولمبية وقدر حجم الانفاق على البعثة حوالي مليار و250 مليون جنيه والمحصلة 3 ميداليات فقط، ذهبية وفضية وبرونزية بنسبة نجاح لا يتجاوز الـ2% مقارنة بين عدد الرياضيين عامة وإجمالي الميداليات.
الاستياء كان واضحا في المقارنة بين البعثة المصرية ونتائجها وبين دول صديقة وشقيقة مثل الجزائر التي فازت بالعدد نفسه من الميداليات، مع الوضع في الاعتبار حصدها «ذهبيتين»، بمشاركة 45 رياضيا فقط، وتونس فازت بنفس العدد من الميداليات بمشاركة 27 رياضياً فقط.
وبعثة المغرب تشكلت من 60 رياضيا ورياضية وفازت بميدالية ذهبية وبرونزية. والبحرين حققت إنجازا كبيرا، حيث حصدت 4 ميداليات، بينها «ذهبيتان»، بمشاركة 13 رياضيا فقط.
إيران رغم أوضاعها السياسية والأمنية حققت 12 ميدالية أولمبية، 3 ذهبيات و6 فضيات و3 برونزيات وتكونت بعثتها من 40 عضوا منهم 29 رياضيا و 11 رياضية تنافسوا في 13 لعبة
حتى إسرائيل- دولة الكيان- فازت بسبع ميداليات، ذهبية و5 فضيات وبرونزية ببعثة ضمت 88 فردا فقط. دول وجزر حققت إنجازات مذهلة قياسا لحجم البعثة المشاركة مثل بوتسوانا واندونيسيا وطاجيكستان وأثيوبيا وأوغندا.- والمعلومات منشورة ومعروفة-
الدول الكبيرة والمتوسطة والصغيرة أصبحت تتعامل مع الرياضة وفقا للمعايير العالمية وأنها صناعة حقيقية تساهم في الدخل القومي وأحد مصادره الرئيسية ولم تعد أساليب " أهل الثقة" والواسطة و "الفهلوة" والعشوائية لها مكان في العالم المعاصر التي تتفوق فيه لغة العلم والمعرفة والخبرة.
فماذا يعني أن يسافر أقارب وأصدقاء وأعضاء في البعثة الرياضية وأرقامهم الرياضية لا تؤهلهم للسفر من الأساس وليس للمنافسة. فعدد كبير من الرياضيين والرياضيات خرجوا من التصفيات الأولية ونافسوا على المركز الأخير . وهذه أرقام معروفة قبل السفر باستثناء الحظ العاثر لبطلنا زياد السيسي في السلاح وكحلة في رفع الأثقال.
ما حدث آثار حالة من االاستياء والحزن ليس فقط على عدم الحصول على الميداليات المتوقعة مقارنة بعدد البعثة وحجمها، وانما لحالة " الفوضى" والعشوائية وعدم الانضباط ومخالفة القواعد الرياضية داخل البعثة وهو ما دعا الكثيرون الى ضرورة المراجعة في أسباب ما حدث والمحاسبة للمقصرين. والأهم هو وضع خارطة طريق للرياضة المصرية على أسس علمية واختيار الكفاءات والخبرات الرياضية لتولي المناصب واعداد جيل جديد يقود الرياضة المصرية الى المصاف العالمية . فمصر ليست دولة صغيرة ولم تقصر قيادتها في تأسيس بنية رياضية ضخمة خلال الفترة الماضية للنهوض بالرياضة المصرية.
نعم نفرح للأبطال الثلاثة الذين هنأهم بالاسم الرئيس وحرمه...وكانت رسالة واضحة وجلية في معناها، لكن هناك ضرورة للمحاسبة حتى نخرج من أزمة الرياضة المصرية.