الحرب التى يشنها الاحتلال الإسرائيلى على غزة، ليست حربا واحدة، لكنها مجموعة حروب وصراعات تتسع وتضيق لكنها لا تتوقف، وحيث يواصل الاحتلال شن حرب إبادة على غزة، تدور حروب متعددة على جبهات أخرى سياسية واقتصادية وتأثيراتها تتجاوز المكان إلى أطراف وزوايا إقليمية ودولية، ولهذا تبدو الحرب أكثر تعقيدا مما هو ظاهر، وأطرافها التى تتحكم فيهاليست فقط الأطراف الظاهرة لكن وراء كل طرف عدة أهداف وأطراف تدعمه أو تشاركه أو تنتظر نتيجة.
طوال الوقت، فإن الحرب أو المعارك العسكرية طريق لتحقيق أهداف سياسية، حيث يسعى كل طرف لتحقيق انتصار يسانده فى الحصول على مكاسب سياسية، وفى الحرب على غزة فإن بنيامين نتنياهو أعلن سعيه لتحقيق انتصار، والرد على عمليات 7 أكتوبر التى مثلت اختراقا أمنيا وعسكريا للاحتلال، وغلاف غزة، وأعلن نتنياهو أنه يسعى إلى استعادة المحتجزين بالحرب، وهزيمة حماس، والانتقام من عملية طوفان الأقصى.
نتنياهو وجد فى عمليات 7 أكتوبر فرصة لاستعادة صورته السياسية وتجاوز أزمات سياسية وملاحقات قضائية، بعد مسيرة سياسية هى الأطول من بين أجيال السياسيين فى إسرائيل، فقد مثلت الحرب بالنسبة له نوعا من التنفس الصناعى الذى منحه المزيد من الوقت، وخلال الأشهر التالية لم تتحقق أهداف استعادة المحتجزين، أو هزيمة الفصائل، بجانب تضاعف أعداد الضحايا من المدنيين خاصة الأطفال والنساء.
فى المقابل ترى الفصائل فى غزة أنها حققت انتصارات ميدانية ضد الاحتلال، وتذهب بعض التحليلات إلى أن الاحتلال خسر فى الحرب بينما استعادت القضية الفلسطينية زخمها واحتلت الواجهة من جديد، وأن على الفلسطينيين استغلال الظروف المواتية لتوحيد جهودهم حتى يمكنهم تحقيق مكاسب سياسية، وأن الفصائل الفلسطينية يمكن أن تستغل الفرصة لتتم المصالحة وتعيد توحيد الصف الفلسطينى، لكن الواضح أن الفلسطينيين ما زالوا عاجزين عن التوحد والمصالحة بالشكل الذى يساعد على التئام الجبهات والفصائل، وبالرغم من أن مصر بذلت جهودا ضخمة لإنجاز هذه المصالحة فإن الخلافات والمزايدات تجعل من الصعب توقع تقدم فى هذا الملف، من دون التوقف عن ممارسة الاتهامات البينية أو المزايدة التى تمثل مرضا متوطنا ومزمنا لدى الفصائل، وما زال قائما يعطل أى جهد لالتئام الفلسطينيين معا.
فالمزايدة آفة تنتشر على مدار عقود بين التيارات والفصائل المختلفة وتظهر للعلن فى صور متنوعة ومتعددة، بجانب أن أحدا لا يمكنه التعرف على الجهة التى يمكن أن تمثل مرجعية لهذا الفصيل أو ذاك.
وهذه الأزمة فى الواقع تتعلق بغياب القدرة على توظيف أدوات السياسة بجانب الأدوات العسكرية، وتجاوز التباهى بانتصارات مشكوك فيها، وغياب القدرة على فضح الجرائم التى يرتكبها الاحتلال، مثلما يفعل نتنياهو الذى ذهب إلى الكونجرس وخطب ليشكو من استهداف إسرائيل، ويصدر صورة الدولة التى تواجه أعداء متنوعين، على العكس من فصائل تتباهى بانتصارات وتعجز عن تصدير جرائم العدو.
الشاهد أن الاحتلال يستخدم كل الأدوات والطرق لتحقيق أهدافه بالاغتيالات أو العمليات النوعية، ويمارس الكذب والدعايات المضادة لإبعاد تهم الإبادة والقتل العمد للأطفال ومنع المساعدات، وتبرير التهجير والتصفية للقضية الفلسطينية.
ومنذ بداية الحرب على غزة، تخوض مصر حروبا متنوعة ومتعددة على أكثر من جبهة، فهى تواجه مخططات الاحتلال ومحاولات التهجير والتصفية، كما تواجه أكاذيب نتنياهو حول تهريب السلاح أو الأنفاق أو المعابر، ومع هذا فهى تواجه أكاذيب نتنياهو وأيضا تنظيم الإخوان وقنواته التى تعمل لصالح الاحتلال وتردد أكاذيبه وشائعاته، وكما جرت العادة فإن تنظيم الإخوان وقنواته ولجانه، هم الظهير الإعلامى للاحتلال، وأكاذيبه، حول المعابر أو تهريب السلاح، كما تخوض حربا على جبهات إقليمية ودولية لضمان دخول المساعدات.
الواقع أن مصر تخوض حروبا على أكثر من جبهة، ليس فقط ضد مخططات الاحتلال وأكاذيبه، كما تواجه مزايدات وأكاذيب بعض المحسوبين على فلسطين، مثل موسى أبو مرزوق وغيره، ممن يتركون العدو ليوجهوا مزايداتهم إلى مصر وهى الطرف الذى يعتبر فلسطين قضيته، ويقدم المبادرات لوقف الحرب، وهى الطرف الذى بذل عشرات المحاولات والجلسات لتوحيد الفصائل، وآخرها يوليو 2023 فى العلمين الجديدة، وبذل كل الجهود لوقف الحرب على غزة ومنع التصفية والتهجير.
هناك محاولة جديدة لإبرام اتفاق ينهى الحرب، يسعى نتنياهو لإفشاله بحثا عن مزيد من الحرب، ويساعده المتطرفون والمزايدون فى كل المعسكرات.
اليوم السابع