حنان يوسف

مسئولية التعليم فى السلام المجتمعى

الثلاثاء، 13 أغسطس 2024 04:06 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

فى هذه الأيام  تستعد كل المؤسسات التعليمية نحو استقبال العام الدراسى الجديد سواء  المؤسسات التعليمية فى مرحلة ما قبل التعليم الجامعى أو التعليم الجامعى منها.

فإذا كانت هذه المؤسسات منشغلة على قدم وساق فى الترتيبات التنظيمية لاستقبال الطلاب، فإن الأمر الأكثر أهمية هو ضرورة إعطاء العناية نحو تطوير وتحديث مناهجها بالشكل الذى يساعد فى تحقيق مسئوليتها المجتمعية فى خدمة الوطن من خلال تنشئة الملايين بالفكر والمعلومة وبناء شخصياتهم الإنسانية التى تصلح لمواجهة كل هذه التحديات التى يموج بها العالم وبصفة خاصة سيطرة أنماط الذكاء الاصطناعى والتكنولوجيا على صناعة المشهد محليا واقليميا ودوليا.
وهنا ينبغى دعوة هذه المؤسسات التعليمية إلى مراجعة مناهجها التعليمية واستحداث الجديد منها وبصفة خاصة مقررات تدعو إلى تعزيز ثقافة السلام المجتمعى ونشر قيم التسامح ومنع العنف لما لهذه المقررات من فائدة كبرى فى تأهيل الطلاب نحو المشاركة المجتمعية بالصورة المأمولة.

وأشارككم عبر هذه السطور رؤيتى المتواضعة فى هذه الدعوة لتطوير التعليم لدعم ثقافة السلم المجتمعى.

فمع دخول أهداف التنمية المستدامة حيز التنفيذ فإن هناك التزام دولى متجدد بإنهاء الفقر العالمى وتفاؤل بتحقيق ذلك خلال العقدين القادمين. وفى الوقت نفسه، هناك قلق متزايد من أن النزاعات طويلة الأمد وزيادة الكوارث الطبيعية يهددان بإضاعة المكاسب التى تحققت حتى الآن.

وفى ضوء الهدف (16) من أهداف التنمية المستدامة بشأن تعزيز المجتمعات السلمية والشاملة للجميع، وكذلك الهدف (4) (التعليم عالى الجودة الشامل للجميع والعادل)، والهدف (5) (المساواة بين الجنسين)، والهدف (8) (العمل اللائق والنمو الاقتصادى)، والهدف (10) (الحد من انعدام المساواة)، فإن هناك ضرورة عالمية قوية لفهم الصلة الأساسية بين نتائج التنمية البشرية الإيجابية وإنهاء دورات الصراع والعنف المتكررة.

ومع ذلك وعلى الرغم من إسهام البرامج المعترف به فى استعادة الاستقرار فى أعقاب العنف، فلا يوجد فهم مشترك لكيف يمكن على وجه الدقة أن يساعد تصديها للخدمات الإدارية والاجتماعية فى بناء السلام.

وقد اُستخدِمَت الخدمات الاجتماعية فى مجال التعليم فى السابق بوصفها وسيلة لتحفيز الصراع وبناء السلام على حد سواء، فالتعليم يصبح محركًا للنزاع عندما تصبح الخدمات التعليمية متاحة للبعض فحسب وليس للجميع، وعندما تكون خدمات التعليم ضعيفة الجودة ولا علاقة لها بالقابلية للتوظيف أو القدرة على التكيف بفعالية فى الظروف الصعبة، وعندما تفضى وسائل التعليم وأدواته إلى عدم الاحترام أو التمييز، فإن التعليم يتحول تلقائيًا إلى أداة للانقسام. ومن ناحية أخرى، فإن الخدمات التعليمية التى تكون متاحة على نحو منصف، والتى تكون جيدة الجودة ومناسبة، والتى تعزز من وجود رؤية مشتركة، والتى تقوى العلاقات والهوية؛ والتى تدار بشكل عادل فى تعليم الجماعات المكونة تعزز التلاحم الاجتماعى العمودى والأفقى.

فلا شك أن التعليم يلعب دوراً هاما فى تعزيز ونشر ثقافة السلام ونشر الاحترام تجاه الآخرين وتمكين الشباب من اكتساب قيم المواطنة الفعالة والتسامح، والحوار بين الثقافات وتعميق الفهم المتبادل.

فالتربية هى أحد المجالات الرئيسة لنشر ثقافة السلام وتعزيزها، ويتأكد ذلك فى إعلان المبادئ حول التسامح لعام 1995، حيث تنص المادة الرابعة منه على أن التربية هى الأداة الأكثر فعالية للوقاية من التعصب، وأول خطوة فى هذا الأطار.

ويمكن لسياسة وتخطيط قطاع التعليم المساهمة فى بناء سلام مستدام من خلال إعادة التوزيع (التوزيع العادل للوصول إلى التعليم، والموارد، والفرص)؛ والاعتراف (احترام التنوع والهوية من خلال التعليم)؛ والتمثيل (ضمان المشاركة العادلة فى صنع القرار على جميع المستويات).

وتقف الحكومات فى ظل التغيرات العميقة التى يشهدها عالم اليوم، عاجزة عن فرض السلام الاجتماعى بدون اللجوء إلى مساعدة العديد من المؤسسات الاجتماعية وعلى رأسها المؤسسة التعليمية، حيث إن عملية تأهيل الطلاب فكرياً وعلمياً، ليس هو المُخرج الوحيد للعملية التعليمية، بل هناك مُخرج أهم لكن قليلاً ما يتم الانتباه إليه، وهو تشكيل السلوك والأخلاق العامة. وعلى الرغم من أن هذا المُخرج هو ناتج لعملية معقدة يشترك فيها عدد هائل من العوامل، إلا أن التعليم ظل وسيظل اللاعب الأهم والعامل الأكثر حسماً. ذلك لأن البيئة الدراسية والمناهج التعليمية وأساليب تقديم المادة العلمية، والعلاقة التى تربط الأستاذ والطالب والطلاب بعضهم ببعض، كلها تلعب دوراً عظيماً فى تشكيل رؤى الدارسين فى طرق حل المشكلات التى تواجههم وفى اختيار تفضيلاتهم وقيمهم وتكوين شخصياتهم. نحاول فى هذه الورقة شرح مفهوم السلام الاجتماعى والعلاقة بينه وبين التعليم.

ويلعب التعليم دورا جوهرياً فى تحقيق درجة عالية من التعافى الاجتماعي. ولكن على النقيض من ذلك، يمكن للسياسات التعليمية توليد المزيد من الانشقاقات والتصدعات فى النسيج الاجتماعى أيضاً، فهو كالسلاح ذى الحديْن، وذلك لأنه مرتبط بتشكيل الهوية والثقافة والتعامل مع الإنسان فكرياً ونفسياً. لذا يجب توخى الحذر، والإعداد الجيد والمتكامل والمتين والرشيد لهذه العملية.

إن تصرفاتِنا ناتجة عن فكرنا وطريقة فهمِنا وأسلوب استجابتِنا للمواقف التى تواجهنا فى هذه الحياة. وصياغة الفكر عملية معقدة جداً، تؤثر فيها عوامل كثيرة ومتداخلة منها على سبيل المثال لا الحصر، الإرث الثقافى والحضاري، الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية السائدة فى المجتمع، الحياة الأسرية، المؤثرات الخارجية خاصة وسائل الإعلام سواءً أكانت مقروءة أو مسموعة أو مرئية. ويظل للمؤسسات التعليمية الدور الأبرز والأهم فى التأثير والتأثر. إن إصدار قرارٍ بمنع الضرب فى المدارس، أو إضافة مقرر يتحدث عن السلام، أو عن مساوئ العنف، لن يكون كافياً لإصلاح المنظومة التعليمية وتوجيهها نحو تكريس ثقافة السلام، فالأمر أكثرُ تعقيداً من ذلك. وكما هو معلوم، فإن تأهيل الطلاب علمياً، ليس هو المُخرَجَ الوحيد للعملية التعليمية، بل إن تشكيل السلوك والأخلاق العامة، من أهم المخرجات التى لا يتم الانتباه إليها فى كثير من الأحيان، للأسف الشديد.

السِّلم الاجتماعى مفهوم عميق، إنه ببساطة، العيش بسلام ومحبة واحترام وقبول للآخر، وأن تحب للناس ما تحب لنفسك، وعدم الإحساس بالظلم أو الإقصاء أو التهميش، والانتماء إلى لُحمة المجتمع بشكل يصبح فيه من الصعب القيام بسلوكيات تؤدى بشكل مباشر إلى هدم النسيج الاجتماعى أو إحداث تشوهات متعمدة فيه. هو القناعة بأن أفراد ومكونات المجتمع تركبُ سفينة واحدة غرقها يعنى غرق الجميع. و يرتبط السِّلم الاجتماعى بصفة أساسية بالسياسات والاتجاهات التى تتخذها الحكومات، لذا فإن إجراء إصلاحات تعليمية بغرض تحقيق السلام والتوافق الاجتماعيين، هى إجراءات سياسية بالدرجة الأولى. فلا معنى لتعليم الطلاب العدالة والحرية ونبذ الظلم وتحكيم الحق، واحترام القانون، وهم يعيشون فى ظل حكومة تقوم على المحاصصة على أساس المذهب أو الطائفة أو العشيرة أو القبيلة أو...، إن ذلك يؤدى إلى الانفصام عن الواقع وفقد الثقة فى الأنظمة السياسية، والانجراف نحو العنف، أو العيش فى ظل القهر والفقر والضياع وفقدان الأمل.

من هنا نرى أنه يجب وضع السياسة والمناهج التعليمية ضمن خطة شاملة لإصلاح كل النواحى السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

والمعلم، هو أهم عنصرٍ من عناصر العملية التعليمية والتربوية، ومقومٌ أساسى من مقومات نجاحها، حيث يؤدى دوراً مهماً ووظيفة أساسية فى إيجاد المناخ المدرسى الملائم. تؤثر شخصية المعلم وثقافتُه وخبرته وأساليب تعامله ونوع علاقاته مع طلابه بدرجة كبيرة على سلوكيات الطلاب وأخلاقهم وتصرفاتهم. ومما يجعل المعلم مساهما محوريا وفاعلا أساسيا فى تعزيز السِّلم الاجتماعى والتعايش، هو مدى تمسكه بأخلاقيات مهنته والنهوض بأعباء مسؤولياتِه الجسيمة.
من هنا، يجب التركيز على إعداد المدرسين والحرص على اختيارهم واستيعابهم وتنفيذهم للعملية التعليمية التعلُّمية على أكمل وجه.

يجب تطوير العملية التعليمية والمناهج كمَّا وكيفاً ونوعية التعليم، والجودة والإتقان فيجب أن يخلق التعليم لدى الطالب مستوى عالٍ من القدرة التنافسية على المستويين المحلى والعالمي. ويجب أن يرتبط بسوق العمل والنمو الاقتصادى للدولة، كى يوفر فرص عمل للطلاب بعد التخرج، ويمكّنهم من القدرة على التعلم الذاتى المستمر من أجل التطور الوظيفي، وبناء الوطن.  فإن الكثير من الصراعات ترتبط بشكل أو بآخر بالوضع الاقتصادى والفقر والبطالة وعدم وجود الفرص، ويجب أن يكون التعليم أسلوب حياة، ومهارات للتفكير وبناء للقيم، أى أن التعليم ليس مناهجاً و كتباً، ولكنه ممارسة وخبرة. إنها الطريقة التى يتم بها التعلم، وهى أهم بكثير من محتوى المنهج والتعلم ذاته.

وتعزيز القيم من أجل السلام الإنساني، فقد يختلف الناس فى الدين والعِرق واللون واللغة والبلد، ولكنهم يشتركون فى القيم الإنسانية العامة، وهى تمثّل حلقة الوصل بينهم، وتلك (القيم) هى المفاهيم المحورية التى ينبغى قيام المناهج المدرسية عليها، لتفعيلها فى سلوك الطلبة اليومي،
ويجب أن يكون المدرس والأستاذ الجامعى قدوة حسنة لطلابه، عليها الطلاب عملياً فى كل الممارسات وليس فقط نصوصاً ومطبوعات تحفظ لتجاوز الاختبار، ثم يتم رميُها فيما بعد والعمل بعكسها.

حيث يجب فتح باب الحوار فى المدارس، وتكريس الطاولة المستديرة بين الطلبة، وبين الطلبة والمدرسين، وتشجيع التعلم التطبيقى والتجريبي، للتشجيع على حرية التفكير والنقد، والتفكير الإبداعى والعمل الجماعي.

وهناك حالة ماسة للعمل التطوعى والمسئولية المجتمعية لمنظمات المجتمع المدنى فيجب أن تغذى المناهج هذه القيم من خلال استعادة الثقة بالنفس والاعتزاز بالذات والتربية على القيم الإنسانية الـمُثلى. ونشر المحبة والسلام والتسامح بين فئات المجتمع، وتعزيز ثقافة العمل الجماعى من خلال المشاركة الفعلية. وإعداد كوادر عالية المستوى مؤهَّلة فى جميع التخصصات العلمية والمعرفية والمهنية. والحرص على الجودة واتقان وتـجويــد العمل. وتعزيز الحرية ومبادئ الكرامة الإنسانية والمساواة. وتعزيز المسئولية المجتمعية والتشجيع على العمل التطوعى والخيري. وذلك من خلال انتقاء وتدريب وإعادة تأهيل المدرسين والـمُربِّـيــن.

وإعادة صياغة المناهج العلمية والمقرّرات الدراسية، وخاصة التطبيقية منها وإعادة صياغة المناهج الإنسانية لتعزيز الثقة بالنفس، والاعتزاز بالذات وإشاعة المحبة واحترام كرامة الإنسان.

وإنشاء مراكز عالية المستوى للتدريب والتكوين المهني، تتمتع بالجودة وتحرص على تعليم الدقة والجودة والإتقان فى العمل.
والاهتمام بمناهج التاريخ العربي.

ونشر وتطبيق القيم والأخلاق الإنسانية النبيلة من خلال الممارسة فى المدارس.

وتعليم الأفراد معرفة حقوقهم وحرياتهم لضمان احترامها، ولحماية حقوق وحريات الآخرين.  والتربية على التسامح ينبغى اعتبارها واجباً أولياً ، لذلك من الضرورى تطوير مناهج نظامية عقلانية لتعليم التسامح على أساس التركيز على المصادر الثقافية ، والاجتماعية والاقتصادية ، والسياسية والدينية للتعصب، والتى تشكل الأسباب العميقة للعنف والإقصاء.

وسياسات وبرامج التربية يجب أن تساهم فى تنمية التفاهم والتضامن والتسامح بين الأفراد وكذلك بين الجماعات وبين الأمم ، والهدف هو تكوين مواطنين متضامنين ومسئولين متفتحين على الثقافات الأخرى ، قادرين على اتقاء النزاعات أو حلها بوسائل سليمة.

لقد أصبح التعليم من أجل نشر ثقافة السلام والتسامح ومنع العنف ضرورة حتمية فى الوقت الراهن ، فالعالم يموج بمتغيرات كبيرة ومتسارعة ، وأصبح فى حاجة لتحقيق السلام والقضاء على الصراعات ، كما أن بلدنا مصر تمر فى المرحلة الحالية بتغيرات نوعية وكبيرة تستلزم دعم ثقافة السلام وبناء السلام والتعايش داخل المجتمع المصرى لتحقيق التنمية المستدامة. وهذا يستلزم تضمين مفاهيم السلام والتسامح ونبذ العنف والتعايش المجتمعى فى البرامج التعليمية بالمراحل المختلفة.

ويأتى الاهتمام بدور التعليم والمؤسسات التربوية فى نشر وتعزيز ثقافة السلام، كون الشباب بالجامعات وطلاب المدارس يشكلون الشريحة الأكبر والأوسع انتشارا والأكثر تأثيرا فى مستقبل الأمة ، وهم فى هذه المراحل العمرية لديهم استعداد لتقبل وتلقى الافكار والتفاعل معها، ما يؤسس إلى قبول التعددية والتنوع والاختلاف.

ذلك لأن ثقافة السلام تجعل من تحقيق السلام أمراً ممكناً، وتكون دافعاً للجوء إلى اللا عنف والحوار والتفاهم والتفاعل فيما يخص المشتركات وتنميتها، عندما تكون هذه الثقافة مترسخة فى بنية المجتمع وهذه البنية تبدأ بالمدارس والجامعات لتنتشر فى المجتمع ككل.

فالتعليم يعمل على تطوير القيم والمهارات المطلوبة للتعايش السلمى مع الآخرين ، والتعليم بشقيه النظامى وغير النظامي، والتعليم الديني، وكل أشكال التعليم تزكى المحبة والاحترام بين الناس ، كما يمكن الأفراد من تشكيل بئيتهم والقيام بتأثير إيجابى فى العالم من حولهم.

فالتنشئة على ثقافة السلام تعلم الطلاب كيفية إدارة المواقف الصراعية بشكل مبدع وأقل عنفاً ، وتمدهم بالوسائل اللازمة لتحقيق ذلك وتطبيقه فى الواقع. فالهدف ليس إعداد مناهج وكتب تهتم بالسلام بل إنتاج وبناء السلام من خلال مجموعة من النشاطات والفعاليات العملية التى تهدف فى النهاية إلى غرس قيم السلام الاجتماعى الركيزة الاساسية نحو بناء مجتمع صحى متماسك قادر على مواجهة التحديات الحالية والانطلاق نحو المستقبل المشرق.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة