ربما يكون من أهم فضائل الحوار الوطنى، أنه كشف عن أن المشاركة الواسعة تولد أفكارا، وأن الخلافات والاختلافات تتحولان مع النقاش والتنوع إلى ميزة، تضيف إلى الأفكار وتنضجها، وقد تنتهى إلى توافق، خاصة مع القضايا المتشابكة التى تحتمل تعدد الآراء وربما نسبيتها.
نقول هذا بمناسبة ما أعلنه وزير التعليم محمد عبداللطيف من مخططات جديدة فيما يتعلق بدمج مناهج العلوم أو الرياضيات، والكيمياء والفيزياء، وهناك رهان على أن الأمر ليس وليد اللحظة أو أنه من عنديات الوزير، لكنه كما يظهر نتاج جهد سابق ومخططات ربما كانت جاهزة فى عهد الوزير السابق، وقد يكون مطلوبا أن يعلن الوزير هذا، وهو أمر لصالح الوزير، وأن الأمر ليس مفاجأة لكنه نتاج دراسة وتراكم، وربما نكون بحاجة إلى دراسة هذه الخطوات وتنميتها من خلال خبراء، أو شرح يطمئن أولياء الأمور إلى أن هذه القرارات ليست تجريبا أو قفزا فى الفراغ، وإنما نتاج مناقشة وتجهيز ودراسة وتفاعل مع الواقع.
ونكرر أن الحكم على هذه الخطوات يتطلب بحثا وتفكيرا، إذا كان هناك من يهتم، لأننا مع مواقع التواصل اعتدنا أن يخرج البعض ليؤيد أو يشتم أو يكتفى بتعليقات سطحية هجومية أو دفاعية، بينما الأفضل هو الانخراط فى محاولة فهم، وليس أهم من التعليم ننشغل به، وندعو الجميع للتحاور حوله، من أجل رسم خريطة المستقبل وإتاحة الفرصة لكل الأطراف لتقديم وجهات نظرها، مع توفير المعلومات والإحصائيات والأرقام الخاصة بملف مثل التعليم، والذى شهد على مدى عقود الكثير من التجارب ويعانى من تراكمات أدت به إلى أن يكون ملفا ضخما بحاجة الى إعادة تنظيم مع التأكيد بوجود اتفاق، بين كل التيارات، على أن التعليم والصحة أهم الملفات، والتعليم بالذات يتعلق بالحاضر والمستقبل، مع الاعتراف بأن النظام التعليمى يعانى من تراكمات عقود وتجارب، والحديث عن تطوير التعليم يضمن التوصل إلى المبانى والفصول والمعلمين والمناهج والأهم مراعاة الطلاب العنصر الأهم، مع الأخذ فى الاعتبار أن كل بند من هذه البنود يترجم إلى مئات المليارات، وأيضا المخططات تتجاوز النظرى إلى العملى.
ونجدد التأكيد أن الحوار الوطنى تضمن مناقشة مشروع قانون إنشاء المجلس الوطنى الأعلى للتعليم والتدريب، ليكون مظلة تضمن وجود كيان يتعامل مع التعليم باعتباره سلسلة وليس أمرا منقطعا، ويدعم دور الوزير والخبراء، خاصة أن العالم شهد تحولات وتطورات وأحداثا تتعلق تتطلب نضجا فى التلقى والتعاطى مع عالم افتراضى لا يتوقف عن البث، ويزدحم بالكثير من المعلومات والأرقام والتقارير والبرامج والمنصات، وهو ما يتطلب بناء عقل قادر على التفاعل والنقد والتمييز، والقدرة على امتلاك قدرات تمكن من التفاعل مع التحولات، والتى تمثل ضغطا على كل العالم.
وزير التعليم أعلن حلولا لأزمات الفصول، منها فترات مسائية أو دمج مدارس وفصول، وبالفعل كان المشروع قائما على تحركات ميدانية بين الإدارات التعليمية فى القاهرة، وربما بعض المحافظات، وهى حلول قد توفر بالفعل مخارج، لكنها لا تغنى عن استراتيجية تراعى الزيادات السكانية، وتنهى تعدد أنواع التعليم التى تنتج أجيالا مغتربة ومختلفة عن بعضها.
وربما يكون المعلم عنصرا مهما وأساسا للتطوير والتقدم، وهو عنصر يرتبط بتفاصيل مادية ومعنوية واجتماعية، مع الأخذ فى الاعتبار أهمية إنهاء سيطرة البيروقراطية والمستفيدين وأصحاب المصالح، ممن يتربحون من الدروس الخصوصية والكتب الخارجية ونظام الامتحانات، وهؤلاء يحاربون كل محاولة للتطوير.
ربما تكون هناك ضرورة لإتاحة فرص فى الحوار الوطنى، لمتابعة مناقشة الموضوعات الخاصة بالتعليم، ضمن حوار مجتمعى، يتيح للمعلمين ورجال التعليم الخبراء المساهمة فى النقاش وتقديم رؤيتهم، وقد يكون إعلان الوزير الاستعانة بالخبراء ومد فترة عمل المعلمين، وهو أمر يمكن الاستفادة منه فى التعليم وأيضا فى الصحة، ويحتاج إلى دراسة.
ونؤكد أنه من المبكر الحكم على مخطط وزير التعليم، لكنه ألقى حجرا فى بركة راكدة، ويحتاج إلى مساحات حوار تطمئن المجتمع إلى المستقبل وأن التعليم خطة دولة وليس خطة وزير.