تدور رواية "الرجل الذى أراد أن يكون" للكاتب المبدع المستشار وائل السيد علي، والصادرة عن دار "دوّن" الرائعة فى العام 2024، حول شاب طموح يدعى "رائف"، يحلم بالنجاح وإثبات ذاته فى عالم لا يمنحه الراحة. يكره رائف الروتين بكل تفاصيله، وينفر من فكرة العيش حياة تقليدية. يسعى دائمًا إلى تحقيق شيء أكبر من نفسه، ولكنه يعانى من الشعور بالاختناق بسبب عمله الروتينى الذى لا يرى فيه أى تحدٍ أو معنى. يجد نفسه عالقًا بين طموحاته ورغبته فى كسر هذا الروتين القاتل وبين ما يفرضه الواقع عليه من التزامات ومسؤوليات.
يبدأ رائف رحلته الروائية من داخل جدران مكتبه، حيث يعمل فى دراسة القضايا الاجتماعية التى تحيلها محكمة الأحوال الشخصية إلى المكتب الذى يعمل به. تأخذه تلك القضايا إلى عمق مشاكل المجتمع، مما يدفعه إلى التفكير العميق فى حياته الخاصة. يرى فى كل قضية يتناولها انعكاسًا لما يعيشه من تحديات وضغوط، ويبدأ رويدًا رويدًا فى ملاحظة أوجه الشبه بين مشاكل الآخرين وما يعانيه هو شخصيًا.
يفشل رائف فى الحفاظ على علاقته بحبيبته التى كانت تمثل له ملاذًا من الواقع الصعب. يسعى للحفاظ على الحب الذى يربطه بها، ولكن تصادمه الدائم مع الروتين الذى يطارد حياته يمنعه من تقديم ما يكفى للحفاظ على تلك العلاقة. يجد نفسه فى صراع دائم بين العمل الذى يمقته وبين الرغبة فى الحب، مما يدفعه إلى اتخاذ قرارات متسرعة تؤثر على مستقبله العاطفي.
فى الوقت الذى يفشل فيه فى حب حياته، يجد نفسه مغمورًا فى العمل الذى كان يكرهه. تتوالى عليه القضايا، وتتزايد المسؤوليات، حتى يصل إلى نقطة يكتشف فيها أن هذا العمل الذى طالما اعتبره بلا معنى، قد غيّر حياته بشكل لم يتوقعه. يبدأ فى رؤية عمله من منظور جديد، حيث يلاحظ أن كل قضية درسها قد ساعدته فى فهم الحياة بشكل أعمق، وفهم مشاعر الناس واحتياجاتهم، وكذلك فهم نفسه.
من خلال هذا الاحتكاك اليومى بمشاكل الآخرين، يكتشف رائف شيئًا مهمًا عن نفسه وعن معنى النجاح. يدرك أن النجاح ليس بالضرورة تحقيق الأحلام الكبيرة والبعيدة عن الواقع، بل قد يكمن فى الأشياء الصغيرة التى نغفلها فى حياتنا اليومية. يكتشف أن سعادته الحقيقية لم تكن مرتبطة بمقدار المال أو المنصب الرفيع، بل بالقدرة على التأثير فى حياة الآخرين بطريقة إيجابية.
يجد رائف نفسه فى تلك الرحلة العميقة، ويتعلم كيف يحكم على الأمور بواقعية أكبر. يتعلم كيف يوازن بين طموحاته الشخصية وما يتطلبه منه الواقع. يدرك أن النجاح ليس طريقًا واحدًا، بل هو مجموعة من الطرق المتفرعة التى يمكنه السير فيها إذا تعلم كيف يتقبل تحديات الحياة ويستغلها لصالحه.
تُظهر الرواية كيف يمكن للإنسان أن يجد النجاح فى الأماكن التى لم يكن يتوقعها، وكيف يمكنه أن يعيد تشكيل حياته بناءً على التجارب التى يعيشها. من خلال معاناة رائف، نتعلم كيف يمكن للحياة أن تكون معقدة وغير متوقعة، ولكنها تحمل دائمًا فرصًا للنمو والتغيير إذا كنا مستعدين لرؤية الأمور من زاوية مختلفة.
يمر رائف بتجربة فقدان عزيز عليه، وهو الحدث الذى يقلب حياته رأسًا على عقب. يتأرجح بين اليأس والرغبة فى المضى قدمًا، ولكنه يجد فى داخله القوة التى تجعله يستمر. يدرك أن الفقدان جزء من الحياة، وأنه يمكن أن يكون دافعًا لتحقيق الذات وليس عائقًا.
فى النهاية، تسرد الرواية قصة تحول رائف من رجل ناقم على الحياة إلى شخص قادر على رؤية نجاحه الحقيقى فى تفاصيل حياته اليومية. يفهم أن النجاح ليس فقط فى الهروب من الروتين، بل فى القدرة على التعامل معه بذكاء وإيجابية. يتعلم أن السعادة ليست بالضرورة فى تحقيق الأحلام الكبيرة، بل فى القدرة على إيجاد الرضا فى كل ما يقوم به.
تسلط الرواية الضوء على فكرة أن السعادة والنجاح ليستا محددتين بنمط حياة معين، بل هما تجربتان شخصيتان تختلفان من شخص لآخر. ومن خلال قصة رائف، تدعونا الرواية إلى إعادة التفكير فى مفهوم النجاح والسعادة، وكيف يمكن لهما أن يتجليا بطرق غير متوقعة.
تظهر الرواية أيضًا كيف يمكن للحياة اليومية أن تكون مليئة بالمعانى والدروس إذا كنا مستعدين لاستخلاصها. تتناول مشاكل العلاقات الشخصية، والضغوط المهنية، والتحديات النفسية التى يمر بها الإنسان فى حياته العادية، وتعرض كيفية التعامل معها بطريقة تمكنه من النمو والتطور.
من خلال تطور شخصية رائف، نتعلم أهمية التكيف مع الواقع والقدرة على إعادة تقييم ما نعتبره فشلًا أو إخفاقًا. الرواية تشجع القارئ على البحث عن النجاح فى تفاصيل حياته، وعلى التعامل مع تحديات الحياة كفرص للتعلم والتغيير.
فى النهاية، تبقى رسالة الرواية واضحة: الحياة ليست سهلة، ولكنها مليئة بالفرص لمن يملك الشجاعة للنظر إلى الأمور من زاوية مختلفة.
شكرًا جزيلاً للكاتب المبدع المستشار وائل السيد علي، ولدار "دوّن" الرائعة على هذه الرواية الجميلة، والتى نفتقدها، هى وشخوصها وعالمها ومفرداتها، بشدة فى عالم الرواية المصرية والعربية فى عالمنا المعاصر.