عندما تدرك المرأة المصرية ما يحيط بها، وتفهم ما يدور حولها من مجريات أحداث، وفي ضوء ذلك تحاول وضع معالجات للعديد من المواقف والقضايا التي تتعرض لها بحكمة وموضوعية، متجنبة كل ما يؤدي إلى تشتيتها، أو تضليلها، أو وقوعها في الخطأ؛ فهذا يشير إلى صورة الوعي الصحيح، وما أجملها من صورة تقوم على الإحساس والمشاعر بما يدور حولها؛ ليحدث المراد، وهو تمكنها من الفهم العميق للواقع؛ لذا تصبح مؤهلة لأن تصنع قرارًا وتتخذه؛ فقد استطاعت أن تفرز الزيف وتكشف المشوه، وتعمل على مطالعة كل جديد يحدث من معارفها؛ لتصبح استجاباتها معبرة بصدق ومصداقية عن آخر المستجدات.
وفي خضم تلون الوعي، نرصد دورًا للمرأة المصرية المقدامة التي امتلكت وعيًا سياسيًا غير مسبوق؛ حيث فقهت ما يدور حولها من أحداث على الساحتين المحلية والدولية وأدركت صورة العملية السياسية في إطارها العام، ومن ثم كونت فهمًا وإدراكًا للنظام السياسي المصري، واستقرأت بتمعن مدى اتساقه بما جاء به دستور البلاد؛ فسارعت بالمشاركة لتحقيق مصالح الدولة العليا؛ حيث علمت ما يحيط بالبلاد من تحديات سياسية، وأن مشاركتها بالتصويت أو التمثيل الانتخابي، أو بالتعبير عن الرأي من خلال القنوات المشروعة، بات أمرًا وجوبيًا، وهذا يؤكد عمق وعيها السياسي.
ووعي المرأة السياسي أثر بشكل مباشر على مجموع أسرتها والحيز المحيط بها؛ فقد رأينا في جل محافلنا السياسية بعد ثورة 25 يناير أن المرأة المصرية ضربت نموذجًا يحتذى به حيال تعضيد الوحدة الوطنية، ولم الشمل المصري، واصطفاف الشعب حول أمن وأمان الدولة وحماية حدودها، ودحر مخططات المغرضين الذين يكمنون الشرور للدولة المصرية ومؤسساتها ورموزها الوطنية، ومن ثم تُعد مشاركة المرأة سلاحًا فتاكًا ضد الشائعات الكاذبة التي ينعق بها الخبثاء عبر منابرهم المغرضة والممولة.
إن قوة البلاد تكمن في تماسك الجبهة الداخلية التي تمتلك الوعي الصحيح وفي القلب من ذلك امرأة مصونة تحافظ من خلال مشاركتها وشراكتها في دعم الدولة واستقرارها، وترسم بوضوح ملامح الوعي الصحيح تجاه الواجب الوطني، الذي لا يقبل المزايدة أو التشكيك أو المساومة، ومن ثم تصبح المرأة قوية برأيها، شجاعة بوجودها، تعد في الميدان من المقاتلين؛ لتؤكد ببسالة على صيانة وأمن وأمان واستقرار الوطن، وتعبر بمحبة وسلام الأحرار الشجعان على حرية الدولة واستقلالها.
وامتلاك المرأة لوعي ثقافي يمكنها من فهم واستيعاب القيم والمعتقدات التي يدين بها مجتمعها، ويتناغم مع قيمها ومبادئها التي تؤمن بها وتترسخ في وجدانياتها، ومن ثم تقدم ما في وسعها ومقدورها كل ما من شأنه أن يحافظ على التراث الثقافي ويؤدي إلى حمايته من التأثيرات الواردة عبر منابرها المختلفة الداخلية والخارجية؛ لتساعد بقوة في تشكيل الوجدانيات لدى الأجيال التي تحمل ثقافتها وتعتز بها وتعمل على تعزيزها بحسن السلوك ومزيد من الأفكار الإيجابية التي تعضد المعتقد وتعلى من القيمة النبيلة.
ونؤكد أن المرأة صاحبة الوعي الثقافي تؤدي دورًا فاعلًا تجاه تصحيح الفهم الخطأ لدى الأبناء؛ ليصبح كل من في الأسرة قادرًا على قراءة المشهد بصورة جلية لا تشوبها شائبة؛ ومن ثم يستوعب ما يدور حوله من أحداث جارية على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي، ويستطيع أن يشارك بفعالية من خلال ما يمتلكه من مهارات نوعية في خدمة بلاده؛ ليسهم بحق في تنميتها ويشارك في إيجاد حلول لما تواجهه من تحديات ومشكلات مستجدة، وفي هذا المضمار يمكننا الإذعان بأن الوعي الثقافي بات نواة استشراف المستقبل.
وبساطة القول تستدعي أن نقول بوضوح إن امتلاك الفرد للوعي الثقافي يمكنه من أن يمارس عاداته وتقاليده التي يقرها مجتمعه وفق النسق القيمي الذي يتبناه ويقره هذا المجتمع، بما يضفي على حياته حالة من الرضا والسعادة، ويساعده على الاندماج المجتمعي، وعلى أثر ذلك يستطيع تكوين علاقات اجتماعية سوية في مجتمعه وخارج إطاره؛ ليحدث تواصلًا فعالًا مع بني جنسه، ويتمكن من التعايش السلمي في الواقع الفعلي والافتراضي.
وأحداث مصرنا الحبيبة، تؤكد أن المرأة المصرية العظيمة صاحبة الوعي الثقافي العميق لها مكانها ومكانتها في القلوب؛ إذ تحرص على حماية الحاضر، وتسعى دأبًا للحفاظ على المستقبل، ومن ثم تحافظ على الحضارة في صورتها الكلية، وهذا يدل على أنها منبع ومصدر رئيس لتنمية الوعي الثقافي الذي يعضد ويرسخ ماهية الوطنية ويجذرها في نفوس الأبناء، وهنا نقر بأن المرأة صمام الأمن والأمان للدولة المصرية.
وامتلاك المرأة المصرية لوعي اقتصادي وفهمها لواقع الاقتصاديات في الداخل والخارج يسهم في توجيه سلوكها الاقتصادي إلى المسار الصحيح؛ حيث تصبح ممارساتها الاقتصادية مقبولة فيما يرتبط بالمناحي الاقتصادية؛ فتعمل على ترشيد الاستهلاك والإنفاق وإتقان العمل وتجويد المنتج والادخار والاستثمار والمحافظة على الممتلكات العامة وإدارة الوقت وغيرها، مما يصعب حصره، وهذا حتمًا يؤدي إلى تعظيم الموارد الاقتصادية والمشاركة في التنظيم الاقتصادي والسعي إلى تحقيق الأهداف الاقتصادية العامة والخاصة.
ومردود الوعي الاقتصادي لدى المرأة نراه في تنشئة اقتصادية لأفراد أسرتها؛ حيث تساعد كل فرد فيها على أن يتبع أسلوبًا يستقل به بنفسه متمثلًا في الادخار؛ ليحقق ما يصبوا إليه بشكل ابتكاري، وفي سياسة الاقتراض تحضه على ألا يتجاوز أولوياته ويتخلى عن الرفاهية، ولا ينساق إلى رغباته الجامحة، ومن ثم يعمل على ترويض ذاته ليصل إلى الغاية التي يسعى إليها مع التزامه الأخلاقي بالوفاء.
إن أدوار المرأة في بناء الوعي يصعب حصرها؛ فقد اثبتت قدرتها على التحدي في شتى المجالات ذات الطابع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي؛ فقدمت وما زالت العديد من العطاءات الفريدة والمتميزة، وساهمت وما زالت في بناء الجمهورية الجديدة، وضربت من الأمثلة أروعها في التضحية من أجل أن تحيا أجيال تحافظ على مقدرات وتراب وطنها الغالي.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.