دفعة قوية وحالة من التفاؤل بعث بها الرئيس عبدالفتاح السيسي، إلى الشارع المصري والحوار الوطني بشكل خاص بعد استجابته لتوصيات الحوار الوطني بشأن الحبس الاحتياطي، والتي كانت نتاج جلسات من المناقشات شارك فيها كافة القوى السياسية والقانونية والقضائية، حيث انتهت إلى التوافق علي ضرورة خفض الحدود القصوى لمدد الحبس الاحتياطي، والحفاظ على طبيعته كإجراء وقائي تستلزمه ضرورة التحقيق، دون أن يتحول إلى عقوبة، وقد أحال الرئيس التوصيات للحكومة، لسرعة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتفعيل التوصيات المتوافق عليها، لذلك فمن المتوقع أن تتقدم الحكومة مع بداية دور الانعقاد الخامس والأخير لمجلس النواب، بمشروع قانون خاص بالإجراءات الجنائية وهو القانون المنوط به تنظيم كل ما يتعلق بالحبس الاحتياطي.
وتعكس استجابة الرئيس السريعة لمخرجات الحوار الوطني، حرصه علي تنفيذ أحكام الدستور المصري والاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان عبر تطوير منظومة العدالة، وتوفير الضمانات الكافية للمحاكمة العادلة، من خلال خفض مدد الحبس الاحتياطي، وتفعيل تطبيقات بدائله، مثل إلزام المتهم بعدم مبارحة مسكنه أو موطنه، أو أن يقدم نفسه إلى مقر الشرطة في أوقات محددة، مع حظر ارتياد المتهم أماكن محددة، فإذا خالف المتهم الالتزامات التى يفرضها التدبير، جاز حبسه احتياطيًّا، فضلا عن تحديد آليات التعويض المادي والأدبي وجبر الضرر، لمن يتعرض لحبس احتياطي خاطئ، الأمر الذي يخدم قضية التقاضي والعدالة، ويحقق التوازن بين توفير ضمانات المحاكمة العادلة دون المساس بحقوق المواطنين.
وقد عكست خطوات الدولة المصرية خلال الفترة الماضية، أنها تعي تماما أن تحقيق طفرة في مجال حقوق الإنسان، يتطلب ثورة تشريعية لتعزيز الاتساق بين القوانين والاتفاقيات الدولية ومبادئ حقوق الإنسان، وهو ما يفسر الزخم الحالي حول قانون الإجراءات الجنائية، الذي يمثل أهم الضمانات القانونية لحماية حقوق المتهم والمحكوم عليه، حيث يستهدف مشروع القانون إلى جانب تنظيم مسألة الحبس الاحتياطي، ترسيخ مبدأ التقاضى على درجتين وهو مبدأ أكده الدستور والاتفاقيات الدولية، خاصة في الجنايات التي تصل عقوباتها إلى السجن المؤبد أو الإعدام، ففي الوقت الذي تنظر فيه الجنح الأقل خطورة حيث تقتصر عقوباتها علي الحبس علي درجتين، تنظر قضايا الجنايات علي درجة واحدة الأمر الذي يشكل عوارا قانونيا لابد من معالجته، خاصة أن الواقع العملى خلال العقود السابقة أظهر تكدس القضايا في محكمة النقض، لكن وفقا للتعديل الجديد، يجوز للمحكوم عليه أن يطعن على الحكم ويعاد محاكمته أمام محكمة جنايات استئنافية تنظر دعواه، وتحكم فيها من جديد إذا وجد مبررا لذلك.
والحقيقة التي لا يمكن التغافل عنها، أن قانون الإجراءات الجنائية المعمول به الآن، صدر منذ أكثر من 70 عاما الأمر الذي يتطلب تعديلا يتماشي مع متطلبات الجمهورية الجديدة، ومن ثم تحقيق العدالة الناجزة، وتحقيق المعادلة ما بين عدالة حقيقية دون الإخلال بضمانات للمحكوم عليه، ووضع أفضل الضمانات للمتقاضين نظرا لخطورة الجنايات وآثارها على المتهم وذويه، لذلك يُعتبر القانون الجديد نقلة نوعية فى كفالة ضمانات حقوق الإنسان، دون الإخلال بقواعد المحاكمة المنصفة وحقوق الدفاع،وهو ما يساهم في تعزيز حقوق الإنسان وحرياته وسيادة القانون، لذلك بات القانون الجديد ضرورة مُلحة يتطلع لها كافة أطراف المنظومة القضائية.
وأخيرا، لقد نجح مشروع قانون الإجراءات الجنائية وتوصيات الحوار الوطني بشأن الحبس الاحتياطي، في تدارك بعض الإشكاليات، وهو ما يجعله علي رأس أولويات الحكومة ومجلس النواب خلال الفترة المقبلة، فقانون الإجراءات الجنائية هو المرآة الحقيقة التي تعكس وضع حقوق الإنسان في أي دولة، كما أنه انعكاس لمدى إلتزام الدولة بنصوص الدستور، الذي أكد علي احترام المواطن والحفاظ على حقوقه وحرياته وأن تلتزم الدولة بعدم الافتئات عليها، وأن توفر الضمانات اللازمة لتطبيق الدستور والقانون.