تتواصل لعبة المواجهة والصراع فى المنطقة، وتتجاوز الحرب فى غزة إلى مواجهات واختراقات واغتيالات وتهديدات، وخلفها هناك اتصالات وصفقات، ومصالح تحكم الأطراف بشكل براجماتى، كل هذا خلف واجهة صراعات ثنائية بين تل أبيب وطهران تصدرت الحرب فى غزة على مدى شهور.
حرب تدور مباشرة أو من خلال وكلاء، منذ 7 أكتوبر، حيث ظلت إيران طرفا ظاهرا مباشرة، بالتمويل وربما التخطيط والتدريب، وبعض الإعلانات الدعائية من الحرس الثورى أو غيره، وهو ما ردت عليه إسرائيل بطائرات موجهة وصواريخ واغتيالات نوعية، وأخيرا بتنفيذ اغتيال إسماعيل هنية فى مقر إقامته بطهران، بعد يوم من اغتيال فؤاد شكر رئيس أركان حزب الله.
فى البداية أعلنت جهات مختلفة أن اغتيال هنية فى طهران تم بصاروخ ثم قدمت نيويورك تايمز رواية فى حالة ثبات صحتها تمثل اختراقا كبيرا لدوائر وشبكات الأمن فى إيران، قالت نيويورك تايمز نقلا عن 7 مسؤولين فى الشرق الأوسط من بينهم إيرانيان، ومسؤول أمريكى، إن اغتيال إسماعيل هنية تم بواسطة عبوة ناسفة تم تهريبها سرا إلى مقر إقامته فى دار الضيافة فى طهران، ويقول 5 مسؤولين من السبعة إن القنبلة كانت مخبأة قبل شهرين فى دار الضيافة فى شمال طهران وتتم إدارتها وحمايتها من الحرس الثورى، وأن العبوة زرعت سلفا وتم تفجيرها بعد التأكد من وجود هنية.
هذه الرواية فى حال صحتها تحتاج إلى معرفة مواعيد وجود هنية الذى جاء للمشاركة فى تنصيب الرئيس، بما يعنى وجود تواطؤ واختراق كبير للحرس الثورى والدوائر الأمنية، وهناك احتمال لأن تكون هذه القصة غير صحيحة وهدفها إثارة فتنة وانقسام داخل إيران، أو إبعاد رواية إطلاق صواريخ من دولة مجاورة، مع وجود رغبة إسرائيلية لترويج فكرة الاختراقات الأمنية لإيران، وإظهار التفوق فى المعلومات ودقة تنفيذ الاغتيالات لقيادات حزب الله أو داخل إيران.
المواجهة بين الاحتلال الإسرائيلى وإيران ظلت بالوكالة لكن عمليات الاغتيال داخل إيران، أو بيروت نقلتها للعلن، مع تمسك إيران بإعلان عدم الرغبة فى توسيع الحرب مباشرة، ولهذا فقد رد حزب الله فى كلمة الأمين العام حسن نصر الله، أمس الأول الخميس، وجاء استمرارا لخطابات سابقة يتسم بالواقعية والرد على الاتهامات قال «إن المعركة مع إسرائيل دخلت مرحلة جديدة على كل الجبهات، وأضاف أن «إسرائيل لا تعلم إلى أى مدى تجاوزت الخطوط الحمراء»، وهو ما يحمل تهديدا، وإشارة إلى خطوط يتمسك كل طرف بها من دون اتفاق مكتوب، وتخطى الخطوط الحمراء سوف يظهر الرد عليه وما إذا كان جماعيا من محور إيران أو يبقى فى سياق سوابق المواجهات ضربات وصواريخ ومسيرات أو عمليات نوعية تعالج ما جرى من اختراقات فى جنوب لبنان أو فى طهران، وتبقى من المواجهة جماعة الحوثى التى تمثل جزءا من الرد والتحدى بإطلاق صواريخ موجهة إلى أهداف محددة، وأيضاً استمرار عمليات مهاجمة السفن فى باب المندب، وفشل الضربات الإسرائيلية فى تحقيق أهدافها، حتى الآن.
المواجهة تظل ضمن لعبة تقوم على المعلومات والتنفيذ وليس على الدعاية والتهديد واستعراض القوة، وأن الاختراقات يتطلب أن يكون الرد عليها مساويا فى المقدار وليس فقط تصريحات أو تهديدات.
بالطبع فإن التفاعلات والتصريحات والتهديدات، تنعكس فى تحركات الولايات المتحدة الأمريكية، التى تواصل دعمها للاحتلال الإسرائيلى ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فقد حرص الرئيس الأمريكى جو بايدن فى اتصال مع نتنياهو على تأكيد عمليات نشر نظام دفاعى جديد، بهدف أعلن البيت الأبيض أنه «لدعم إسرائيل ضد تهديدات مثل الصواريخ والطائرات المسيرة، وأكد بايدن وفق البيان «التزامه بأمن إسرائيل ضد جميع التهديدات من إيران، وحماس والحوثيين»، وهو أمر لم تحد عنه الولايات المتحدة طوال الحرب على غزة، وإن كان بايدن تحدث عن أهمية جهود تهدئة التوترات الأوسع فى المنطقة.
موقف بايدن ليس جديدا وهو استمرار لسياسات أمريكية داعمة للاحتلال، خاصة بعد مواجهة بين بايدن ونتنياهو، يبدو أن الأخير كسبها، بعد أن رفض تنفيذ المشروع الأمريكى لتبادل المحتجزين ووقف الحرب، والذى طرحه بايدن فى مجلس الأمن، نتنياهو خطب فى الكونجرس وروج لصورة إسرائيل التى تواجه أعداء متعددين، مستغلا وقت الانتخابات الأمريكية فى الحصول على أكثر أوراق الدعم.
وخلف واجهات الصراع، تستمر اتصالات ومساع للإبقاء على درجة التفاعل فى حيز الممكن، فى المقابل فإن أطراف الصراع يسعى كل منها لعقد صفقات مصالح، بعيدا عن شاشات المواجهة، وهو أمر معروف فى مثل هذه الصراعات، يفوز فيه من يستطيع إدارة الصراع بالمعلومات والقدرات، وليس فقط بالخطابات الدعائية.
كل هذا يجعل التحولات فى هذا الصراع، كبيرة، ربما تنتهى بإزاحة أطراف واختفاء وجوه، وظهور وجوه أخرى تناسب المرحلة، حيث الخطابات فى العلن تختلف عما يطرح خلف الواجهات.