هناك سنوات في التاريخ لا يمكن إغفالها أو المرور عليها مرور الكرام، بل نقف أمامها ونتأملها كثيرًا، ومن هذه السنوات سنة 1492ميلادية ففيها وقع حدثان كبيران لم ينته أثرهما حتى الآن على الرغم من مرور كل هذه السنوات.
والحدثان هما سقوط مملكة غرناطة، التي يقال عنها آخر معقل للمسلمين في إسبانيا، على يد الملكين فرديناند وإيزابيلا، وكانت النتيجة طبعا انتهاء الحكم الإسلامي الذي دام قرونا في شبه الجزيرة الأيبيرية.
والحدث الثاني عندما أبحر كريستوفر كولومبوس من ميناء بالوس دي لا فرونتيرا في إسبانيا، في رحلة مولتها الملكة إيزابيلا الأولى والملك فرديناند الثاني، وكان الهدف البحث عن طريق بحري جديد إلى آسيا، لكنه بدلاً من ذلك اكتشف أمريكا.
هذا الحدثان الخطيران مؤشران على أكثر من معنى، المعنى الأول أن أوروبا قد دخلت في مرحلة جديدة من عصر النهضة فيما يخصها من تطور ورغبة في المضي قدما.
المعنى الثاني أن المسلمين دخلوا شرنقة التراجع بعد سنوات طويلة من الانقسام والدخول في مرحلة ملوك الطوائف، وكانت النتيجة هذا الخروج الصعب والقاسي بعد نحو ثماني قرون من الحياة في الأندلس.
المعنى الثالث وهو أكثر ما يستوقفني أن هذه النهضة التي قامت في إسبانيا ومن ورائها أوروبا كلها كانت مرتبطة بالعنف، فما حدث تجاه المسلمين وإجبارهم على الخروج، وما ارتكبه كولومبوس ضد أصحاب الأرض الأصليين في الأرض المكتشفة (العالم الجديد) الذين أطلق عليهم "الهنود الحمر" ليس له من معانٍ سوى أن هؤلاء الناس لم يكونوا يؤمنون بأي آخر، وأنهم قساة كأن قلوبهم قدت من حجارة.
وعلى مر التاريخ هناك سنوات كثيرة مشابهة لسنة 1492 وقدرتها على تغيير العالم ومستقبله، لكن تظل هذه السنة بالنسبة إليَّ هي السنة الأكثر تأثيرًا في العصر الحديث، هي التي غيرت العالم ووضعتنا في مواجهة ما نحن فيه الآن.
أحيانا يروق لي أن أتخيل أن هذه الأحداث لم تتم، وأن هذه السنة كانت مجرد أيام مملة محصورة بين سنتي 1491 و1493، وأن العالم الجديد لم يتم اكتشافه بتلك العبثية المميتة والقاتلة التي راح ضحيتها ملايين الأشخاص الأبرياء الذين قتلهم الغرب "المتعجرف بقسوته".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة