بالطبع يبقى حلمى التونى بإبداعاته ولوحاته التى ميزت فنا يحمل خيالات وصورا ويثير ذكريات ويصنع ثقافة كل هذا فى وقت واحد، وهو ينتمى إلى مدرسة أعادت قراءة الكتب من أغلفتها، وكل غلاف من أغلفة الروايات والكتب التى رسمها، يبقى لوحة بمفردات قائمة بذاتها كأنه يعيد قراءة الكتاب، ويقدمه من جديد إلى القارئ.
حلمى التونى فنان متعدد المواهب والإبداعات، فنان ومؤلف وكاتب أطفال ورسام لنفس الكتابات، بجانب أنه فنان تنطق لوحاته بالكثير وتثير مزيجا من البهجة والحنين والأسى والتفاؤل، وفى كل لوحة تنطق بالكلام والتفاصيل والهمسات المعلقة على الوجوه تحمل هوية وثقافة.
والواقع أن الفنان حلمى التونى، مع كونه فنانا متنوعا له لوحات قائمة بذاتها تعبر عن مراحل حياته الفنية وتمرده، فهو أيضا يعد من رواد مدرسة فن إبداع أغلفة الكتب، حيث يمثل كل غلاف لوحة تحمل تفاصيل وأفكار الكتاب، وأيضا تحمل أفكار حلمى التونى وفنه، حيث إنها لوحة وحدها تقدم عالمه وأفكاره.
وخلال العقود الأخيرة كان حلمى التونى، والفنان الراحل العظيم محيى الدين اللباد، رواد فن رسم الغلاف والكتاب من الداخل والخارج، بشكل يحول الغلاف نفسه إلى لوحة فنية تعيد تقديم الكتاب للقارئ حاملة أفكارا فنية تشكل نوعا من التثقيف الفنى للقراء، وقبل اللباد والتونى كان الغلاف لا يمثل عنصر جذب أو يقدم الكتاب، لكن التونى فى كل غلاف فكرة وقصة وأدب، وهو واللباد منحا غلاف الكتاب قيمة نوعية تقدم الكتاب أو الرواية وفى نفس الوقت تحمل خيالا.
ومع إعادة إصدار روايات نجيب محفوظ عن دار الشروق غيرت الأغلفة، ومع أن الأغلفة الأساسية عن دار مصر كانت مميزة وتحمل روح الأعمال، فقد نجح حلمى التونى فى إعادة تقديم قيمة موازية، فقد سلمت الدار أغلفة نجيب محفوظ رسما وإخراجا للفنان حلمى التونى، الذى قدمها بشكل يعيد شكل ومضمون أعمال نجيب محفوظ الخالدة، قدم حلمى التونى أغلفة أعمال محفوظ الكبرى بشكل مختلف، قدم أعمالا مثل الحرافيش، بين القصرين، قصر الشوق، السكرية، زقاق المدق، الشحاذ، خان الخليلى، ليالى ألف ليلة، بداية ونهاية، السمان والخريف، وغيرها بشكل جديد عبَر من خلاله عن محتوى الرواية ببساطة وعمق.
الفنان حلمى التونى نفسه قال عن أغلفة أعمال نجيب محفوظ، إنه عندما وجد هذا المشروع قرر أن يقدمه بمدرسته، «قررت أتبع مدرستى المتعارف عليها وهى تقديم عمل موازٍ»، حيث رفض أن يقدم الأغلفة فى شكل حارة أو الطريق السابق، وهو أيضا مميز، لكنه قرر التمرد، والحقيقة أن حلمى التونى نجح فى أن يقدم مشروعا فنيا متكاملا يمكن قراءته بذاته يعبر عن رؤيته لعالم نجيب محفوظ فى 52 غلافا، حملت مشروعا، قدمه التونى فى مرحلة متقدمة من حياته.
بجانب إبداعاته فى الأغلفة، قدم حلمى التونى شخصيات أعمال نجيب محفوظ، شخصيات «نور فى اللص والكلاب، نفيسة فى بداية ونهاية، حميدة فى زقاق المدق، وسمارة بهجت فى ثرثرة فوق النيل»، وغيرها. وحسب رأى الناقد والتشكيلى الكبير عز الدين نجيب عن فن التونى، قال إنه يختزل أروع المعانى والعقائد والقيم، وفصول التاريخ وخبرات الشعب وذاكرة الأمة، من خلال شخصيات بعينها، حفرت بكفاحها سطورا وضاءة فوق تلك الذاكرة، هذا ما شعرت به وأنا أتنقل بين لوحات الفنان حلمى التونى.
حلمى التونى مدرسة متسعة التفاصيل، فهو رسام ومؤلف، قدم للأطفال والكبار حكايات من التراث والتاريخ والحاضر، بجانب لوحات تحمل كل منها معانى، وحرص التونى على أن يبقى يرسم حتى لحظاته الأخيرة، ورحل عن عمر يناهز 90 عاما، ومع هذا شكل رحيله صدمة، لأنه من جيل الكبار والرواد العظماء، الذين يمثل كل منهم عالما من الثقافة والخيال.