العرب وباقي دول العالم سهروا حتى ساعات الصباح الأولى بالأمس - مع مراعاة فروق التوقيت - مع المناظرة الانتخابية لأكبر، وأهم انتخابات رئاسية ينتظرها العالم كل أربعة سنوات فى الدولة الأكبر في العالم وهي الولايات المتحدة الأميركية.
واجه المرشح الجمهوري دونالد ترامب مرشحة الحزب الديمقراطي البالغ من العمر 68 عاما منافسته كامالا هاريس -59 عاما - نائبة الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن في أول مناظرة بينهما قبل أقل من شهرين على بدء تصويت الشعب الأميركي لانتخاب الرئيس الجديد واستمرت قرابة ساعة نصف الساعة كانت عبارة عن "مبارزة سياسية تليفزيونية" بين خطاب وأداء مختلف ومثير بين هاريس سيدة القانون والمدعية العامة السابقة وبين ترامب رجل الأعمال، وملك العقارات المدرب والخبير في مثل هذا النوع من المناظرات والمعروف عنه لغته الساخرة والمثيرة للسخرية من منافسه. وأظن أن من ترقب وانتظر وشاهد المناظرة كان يطمع في جرعة مضحكة وساخرة من ترامب تعينه على السهر.. وقد كان..!
في رأيي أن الحكم على المناظرة ليس في طريقة الأداء وأسلوب الخطاب بين المرشحين أو على القضايا التي تناولاها وانما هو الالتزام الكلاسيكي والتقليدي للحفاظ على الصورة المبهرة والجاذبة للديمقراطية على الطريقة الأميركية الخاصة جدا في الابهار والدهشة والاغراء بنفس أداء السينما الأميركية منذ الخمسينات وحتى الآن من رعاة البقر ورامبو وركي ومستر أميركا والبطل الأميركي الأسطوري الخارق الذي يهزم جيوشا بمفرده على الرغم أن الجيش الأميركي نفسه لم يحقق نصرا واحدا حاسما وواضحا وحقق تدميرا فقط في كل دولة حاربها..!
وامعانا في ترسيخ "صورة الديمقراطية على الطريقة الأميركية" وقع الاختيار على مدينة فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا وفي مركز الدستور الوطني بالمدينة، وهو متحف ومساحة تعليمية مخصصة لـ"الديمقراطية الأمريكية" لإجراء المناظرة. فالولاية تحظى بأهمية تاريخية وانتخابية كبرى في الولايات المتحدة. فقد كانت فيلادلفيا في قلب الثورة الأمريكية، وتم توقيع إعلان الاستقلال عام 1776 في معلم فيلادلفيا المعروف باسم "قاعة الاستقلال".
وفي الانتخابات الرئاسية المرتقبة تشهد الولاية منافسة قوية بسبب عدد أصواتها والتي كان لها العامل الأكبر في فوز جو بايدن والديمقراطيين ومعنى أن تأتي استطلاعات الرأي لصالح ترامب هو الأمل في استعادة الحزب الجمهوري لأصوات الولاية.
ليست المناظرة فقط أو دلالة اختيار المكان أو الأداء المسرحي للمبارزة السياسية ولغة الجسد للمرشحين هي الأدوات التقليدية للالتزام والحافظ على " الصورة الديمقراطية " للولايات المتحدة وانما في استمرارية الحفاظ على شعارات ورموز الحزبين الكبيرين، الجمهوري والديمقراطي من الحيوانات. فالفيل هو شعار ورمز الحزب الجمهوري و الحمار هو شعار ورمز للحزب الديمقراطي. وهي بالمناسبة ليست مجرد شعارات لكنها تعكس تاريخا وقصصا ذات معنى ترجع الى القرن التاسع عشر وتشير الى هوية الحزبين والسياسات والأهداف والقيم والفلسفة السياسية الخاصة بكل حزب.
ولذلك انتشرت صور ورسوم الحمير والأفيال قبل المناظرة ومع اقتراب يوم الحسم في الانتخابات في 5 نوفمبر المقبل. فقد تبنى المرشح الرئاسي اندرو جاكسون الحمار كشعار ورمز له في انتخابات عام 1828 بعد أن حاول خصومه السخرية منه بلقب الحمار واعتبر جاكسون أن الحمار يعبر عن الثبات والعمل الدؤوب والصبر، المثابرة، والقدرة على التحمل، ورمزا أيضا للتواضع والعمل الجاد والشجاعة والقدرة على التحمل ثم أصبح رمزا للحزب الديمقراطي والديمقراطيين لنحو 200 عاما حتى الآن تقريبا. ثم اتخذ الحزب الجمهوري الفيل كرمز له تعبيرا عن القوة والصلابة والاستقرار.
فالفيل والحمار أصبحا جزءا لا يتجزأ من الهوية من الفلسفة والهوية السياسية والقيم التاريخية للحزبين الجمهوري والديمقراطي ولم تعد أسلوبا للسخرية والتهكم والتحقير. فالحمار الديمقراطي أصبح معبرا عن الالتزام بحقوق الفئات العاملة والطبقة المتوسطة والدعوة إلى الإصلاحات الاجتماعية. و الفيل الجمهوري يرمز إلى القوة الاقتصادية والدفاع عن القيم التقليدية والسياسات المحافظة. فالفيل حيوان قوي وكبير، يعبر عن القوة الاقتصادية والعسكرية التي يفتخر بها الحزب الجمهوري. ويعكس فكرة النظام والانضباط، وهي قيم يروج لها الحزب الجمهوري في سياساته وبرامجه.
مناظرة "الحمار" و"الفيل" بالأمس كان جل تركيزها على القضايا الداخلية بوعود صارخة حول الاقتصاد وقضايا الإجهاض والسكن وقضايا المهاجرين غير الشرعيين والضرائب وأسعار الطاقة.
نأتي الى السؤال الأهم والشغل الشاغل لنا – كعرب - من هذه المناظرة الكبرى والرئيس القادم لأميركا وما سيفعله معنا وبنا..؟
فالصدام دائما ما بين الفيل والحمار – وخاصة اذا كان حمارا وحشيا- يكون ضحية هذا الصدام الغزلان العرب المسالمين الطيبين، فعندما جاء ذكر حرب غزة، بدت المزايدات السياسية بين ترامب وهاريس وإعلان الوقوف والانحياز السافر الى جانب إسرائيل وضد عدالة القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني ودون الاعتبار للموقف العربي. المرشحة الديمقراطية هاريس أكدت على تصريحاتها السابقة وقالت :"إن إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها، ولكن من المهم أن تعرف كيف" ، و"يجب أن تنتهي هذه الحرب" ولم يفوتها مخاطبة الأصوات العربية والإسلامية بعبارات مطاطة لا أصل لها على أرض الواقع من نوعية" حل الدولتين وإعادة إعمار غزة وحق الفلسطينيين في الحصول على دولة مستقبلية"
فيما اعتبر ترامب كلام هاريس بأنه تدمير لإسرائيل وبأنها تكره إسرائيل". وأضاف ان "ما يحصل في الشرق الأوسط ما كان ليحصل خلال رئاستي وسأحل هذا الموضوع وسأنهي الحرب بين روسيا وأوكرانيا في 24 ساعة..!"
اذن لا ناقة لنا ولا جمل في هذه المناظرة أو أي مناظرة قادمة وما ستسفر عنه الانتخابات الأميركية حتى لا يصنع البعض وهما أو سرابا ويراهن على تغيير السياسات تجاه المنطقة العربية و قضاياها. فالتأثير الصهيوني على الانتخابات الأميركية مازال مؤثرا وفاعلا في ظل غياب أصوات الغزلان العرب وتأثيرها على الداخل الأميركي.
من يفوز..؟ سؤال لا يهم كثيرا.. فالحمار والفيل وجهان لعملة واحدة عندما يتعلق الأمر بالعرب وإسرائيل
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة