على مدى أكثر من 11 شهرا تتواصل حرب الاحتلال الإسرائيلى على غزة، ووصلت أعداد الشهداء لنحو 45 ألفا وآلاف الجرحى، أغلبهم من الأطفال والنساء، وأصبحت حرب نتنياهو وحده وعدد محدود من جنرالات تجار الحرب، وهى أطول المواجهات والأعلى فى أعداد الضحايا، وحجم الدمار فى المبانى.
نتنياهو أصبح يقتات على الحرب وتبدو الحرب بالنسبة له ومعسكر التطرف الإسرائيلى، مبرر الوجود، لهذا يدافعون عن استمرارها ويبحثون عن مبررات لإفشال مساعى السلام ومحاولات وقف الحرب، لأنها الغطاء الأخير الذى يبقى رئيس وزراء الاحتلال فى مكانه ويخفى المشكلات الاقتصادية والاجتماعية داخل إسرائيل، التى أصبحت مبرر وجوده السياسى الوحيد، بل إن نتنياهو لم يكن يمانع فى توسيع الحرب إقليميا طالما كانت تمنحه وقتا إضافيا، وقد فشل فى جر إيران إلى حرب موسعة وحرصت إيران وحزب الله على تأكيد عدم الانخراط فى حرب إقليمية، قد تعنى مواجهة مع الولايات المتحدة، واختارت الموقف البراجماتى، الذى أكد صحة واتساق الموقف المصرى.
وكان موقف إيران بالابتعاد عن المواجهة دافعا لتوسيع العدوان على الضفة الغربية كل هذا بهدف توسيع نطاق الحرب وإشعال المنطقة، ووصل الأمر إلى ترديد أكاذيب ضد مصر أو تسريب أوراق مزورة تحاول إلصاق تعطيل صفقات التبادل بالأطراف الأخرى.
وقد سعت مصر ولا تزال لوقف التصعيد الإقليمى، وتفويت الفرص على نتنياهو وفريقه المتطرف وتجار السلاح، والحرب، وتمسكت بالتواصل مع كل الأطراف الإقليمية والدولية للتوصل إلى وقف للحرب، والسير نحو حل الدولتين، والذى أصبح يفرض نفسه، بل وتدفع مصر نحو توحيد الفلسطينيين ليكونوا معا فى مواجهة المستقبل وما بعد انتهاء الحرب، ولعل هذا هو ما يضاعف من لوثة نتنياهو وفريق الحرب الذين يدفعون نحو المزيد من التصعيد وإطالة أمد الصراع.
وعلى مدار شهور تخوض مصر حروبا سياسية ودبلوماسية وتتمسك بالصبر الاستراتيجى، وتواجه تحديات الأمن القومى، ومخططات التهجير والتصفية، وتواجه أكاذيب نتنياهو ومزايدات أطراف ساذجة أو مخبولة، لتمرير مخططات خبيثة، تنتبه لها الدولة المصرية جيدا وتواجهها بحسم.
وقد تمسكت مصر بموقفها الحاسم منذ البداية، وأعلنت حدود أمنها القومى، ورفض مخططات التهجير أو التصفية، وردت على التصرفات المستفزة لنتنياهو بحسم واضح وإشارات واضحة وتلويح ويظل الموقف المصرى منذ بداية الحرب هو الأكثر اتساقا وتفهما بما تمتلكه مصر من خبرات التعامل مع مناورات الجانب الإسرائيلى، وفهما لعقلية الحرب والتفاوض، واجهت أكاذيب نتنياهو ورفضت التعامل مع الاحتلال فى رفح بعد احتلال المعبر من الجانب الفلسطينى، وهو موقف يتسق مع الاتفاقات ويدعم الموقف الفلسطينى، وتؤكد مصر وتطالب الأطراف الدولية ببذل الجهد لوقف الحرب.
ويرى محللون داخل وخارج إسرائيل أن وقف الحرب قد يكون نهاية لوجود الاحتلال فى المحاور بل وأيضا نهاية لمستقبل نتنياهو الذى لم يقدم سوى الحرب ولم يحقق الأهداف التى أعلنها الوجود الإسرائيلى فى محور رفح من الجانب الفلسطينى، ومحور فيلادلفيا.
وتتمسك مصر بالهدف الأساسى وهو وقف الحرب على غزة، والدفع إلى ما بعد الحرب من إعادة بناء أو السير نحو حل الدولتين وهو ما يؤكده الرئيس السيسى فى كل الاتصالات واللقاءات، ويطالب المجتمع الدولى وأوروبا بالضغط لتنفيذ صفقة تبادل المحتجزين والأسرى، وتنفيذ قرار مجلس الأمن فى آخر مايو الماضى، وقبلتها حماس، وعرقلتها مناورات نتنياهو وفريق الحرب المتطرف، بل إنهم يحاولون ترويج تسريبات مزيفة عن أطراف ترفض السلام.
الشاهد أن هذه الحرب تمثل تحولا كبيرا فى تاريخ المواجهات، وعندما تتوقف سوف تكون الأحوال مختلفة، وتفرض على الجبهات والفصائل الفلسطينية ، ضرورة تغيير تكتيكات العمل، أولا قبول المساعى المصرية بوحدة الفلسطينيين، وتغيير التحرك بتوزيع الجهود وأشكال المواجهة، لتكون خليطا من الكفاح كما كان السابق، والتركيز على الكفاح السلمى، والعمل السياسى، وتوزيع هذا العمل على محاور متنوعة، تستوعب التنوع داخل الفصائل الفلسطينية، بشكل يتجاوز الأشكال السابقة من العمل والإصرار على السير نحو دولة فلسطينية، أصبحت تحظى بتأييد دولى، وتعاطف يتطلب توظيفه، فى مواجهة مناورات وأكاذيب وجرائم نتنياهو.