لعلنا جميعا قد لاحظنا، خلال السنوات السابقة، مع إقامة دورات "الألعاب الأوليمبية" ثم دورات "الألعاب البارالمبية".. أن عدد الجوائز التي تحصل عليها مصر، والأمر نفسه مع البلدان العربية، يكون قليلا في "الألعاب الأوليمبية" بالقياس إلى عددها في "الألعاب البارالمبية" المخصصة لذوي وذوات الهمم أو ذوي وذوات الاحتياجات الخاصة. حدث هذا خلال هذا العام، كما حدث في الدورات التي أقيمت خلال الأعوام الماضية، على الرغم من أن مشاركاتنا في دورات الأوليمياد، أو الألعاب الأوليمبية، تحظى بقدر أكبر من الرعاية والاهتمام: إذ إن المتسابقين والمتسابقات، والمشرفين والمدربين والإداريين.. إلخ، الذين يسافرون إلى هذه الدورات يكون عددهم أكبر، والميزانيات المخصصة لهذه الدورات أكثر سخاء، والإعداد والتجهيز لها يتم على نحو أفضل، والاهتمام الإعلامي بها أكثر وضوحا.. وهكذا في كل شيئ، تتفوق عنايتنا بدورات الألعاب الأوليمبية على انتباهنا إلى أهمية الألعاب البارالمبية، على الرغم من المفارقة التي تواجهنا ونواجهها في كل عام: حصيلة الجوائز التي يأتي بها أصحاب وصاحبات الهمم، أكثر من تلك التي يحصل عليها أصحاء وصحيحات الأجسام..
على سبيل المثال.. الجوائز التي حصلت مصر عليها هذا العام، في دورة الألعاب البارالمبية التي أقيمت بباريس، هي سبع جوائز متنوعة، بين ذهبيتين وفضيتين وثلاث ميداليات برونزية... بينما الجوائز التي حصلت عليها مصر في أوليمبياد باريس، هذا العام أيضا، كانت ثلاث جوائز فقط، واحدة ذهبية وثانية فضية وثالثة برونزية. والأمر نفسه مع البلدان العربية: في الأوليمبياد هذا العام حازت 7 دول عربية على ما مجموعه 17 ميدالية متنوعة فقط، فاز بها رياضيون ورياضيات من البحرين والجزائر ومصر وتونس والمغرب والأردن وقطر (7 ميداليات ذهبية و4 ميداليات فضية و6 ميداليات برونزية في ألعاب مختلفة).. بينما في دورة الألعاب البارالمبية حصد العرب 55 ميدالية متنوعة، فاز بها رياضيون ورياضيات من الجزائر وتونس والمغرب ومصر والأردن والعراق والكويت والسعودية.
هذا الفارق الكبير في التعامل مع هذين المجالين من الألعاب، وهذه المفارقة الواضحة بين النتائج التي نحصل عليها في كل منهما، تطرحان الكثير من التساؤلات، وتثيران العديد من القضايا.
التساؤلات حول هذا الفارق وهذه المفارقة، ترتبط بالتفسيرات الممكنة لهذا الاختلاف الواضح بين الإمكانات والمحصلة، وأيضا لهذا التباين بين الثمار المرجوة والثمار الفعلية، وتتصل كذلك بمغزى تفوق من يواجهون ويواجهن مشكلة جسدية ما على من لا يواجهون ويواجهن مثل هذه المشكلة، وكذلك تتعلق هذه التساؤلات بالكيفيات التي تسير بها الأمور في كثير من المؤسسات الرياضية، كما تنصرف هذه التساؤلات إلى أبعاد أخرى يمكننا أن نتأملها، وبعضها يتصل بالإرادة العظيمة التي يتحلى ويتمسك بها الإنسان الذي يواجه صعوبات أو معوقات بعينها.
والقضايا التي يطرحها هذا الفارق وهذه المفارقة تقترن بملاحظات حول مدى الاهتمام بمن يستحقون كل الاهتمام في مجتمعاتنا، وبمقدار العدالة في التعامل مع من يقومون بإنجازات كبيرة، مدفوعون بطموح كبير وسعي لا يحدّ إلى النجاح، ومن يكتفون أو يقنعون، لأسباب مختلفة، بإنجازات محدودة.
على كل حال، حتى لا نكون مغالين في اتهام أحد بالتقصير، أو حتى ننظر إلى الموضوع كله نظرة العدالة المجردة، فهذا الأمر لا يتعلق بنا وحدنا، في مصر وربما في غيرها من البلدان العربية.. فمثلا كانت ظاهرة عدم التساوي بين تمويل المشاركين في الألعاب الأوليمبية والمشاركين في الألعاب البارالمبية ظاهرة واضحة في بلدان أخرى، منها مثلا الولايات المتحدة الأمريكية، وقد رفعت دعوى قضائية من بعض الرياضيين البارالمبيين الأميريكيين في عام 2003، وتضمنت هذه الدعوى أن اللجنة البارالمبية الأمريكية تبخس في تمويل الرياضيين البارالمبيين، وأنها تمنح رواتب تدريب بسيطة ومكافئات مالية صغيرة للفائزين بالميداليات في البارالمبياد. وبسبب الاهتمام الإعلامي بهذه القضية تضاعف التمويل المقدم من اللجنة الأولمبية الأمريكية فيما بعد، كما أصبحت البارالمبياد تدعم بواسطة عدد من الرُعاة، وتساوت تقريبا مع الأولمبياد.
أتصور أنه يجب علينا، لتدارك الأمر، أن ننتبه على الأقل (دون قضايا أو محاكم!) إلى هذا الفارق في اهتمامنا بالرياضيين، وأن نسعى إلى التعامل معهم جميعا بما يستحقون من المساواة، وأيضا أن نحرص على التقدير العادل لما يقدمون لنا من نتائج.
ومن الخطوات الإيجابية لتحقيق هذا، ما قرأته من تصريحات حديثة لوزير الشباب والرياضة الدكتور أشرف صبحي، حول أن "الدولة المصرية تُولي اهتمامًا خاصا بأبطال البارالمبية، وأنه لا يوجد أي تفرقة بينهم وبين الأبطال الأولمبيين"، وحول "أن هناك مساواة في القيمة المالية بين الأولمبياد والبارالمبياد، وهناك توجيهات من القيادة السياسية بذلك".
هذه خطوة مهمة حقا، تتعلق بالمساواة في القيم المالية للجوائز التي يحصل عليها الفائزون والفائزات، كما تتعلق بإنصاف أبطال الألعاب البارالمبية.. وربما يجب أن تصحبها خطوات أخرى ترتبط بالعناية بهؤلاء الأبطال وتجهيزهم والاهتمام الإعلامي بإنجازاتهم.