لنتذكر سوياً مقولة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ونستون تشرشل الشهيرة "لا عداء دائم، ولا صداقة دائمة، بل مصالح دائمة". تلك المقولة التي تحكم معظم العلاقات بين الدول على الساحتين الإقليمية والدولية الآن، إن جاز التعبير.
وبقياس واقع هذا الاتجاه على العلاقات الخارجية، نجد أن الجمود السياسي نال من العلاقات المصرية التركية لسنوات طويلة، وتحديداً بعد ثورة 30 يونيو المجيدة عام 2013، نتيجة الكثير من المؤامرات التي عرقلت سبل التعاون والتنسيق بين قوتين، لا يمكن الاستهانة بهما في حراك الإقليم البائس نحو الاستقرار المنشود.
لتأتي زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي التاريخية إلى تركيا منذ أيام، لتذيب الجليد وتسطر فصلاً جديداً في مسار تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين والزعيمين، على كافة المستويات ومختلف الأصعدة؛ انطلاقاً من مبدأ "التوازن الاستراتيجي" الذي تنتهجه الجمهورية الجديدة في سياستها الخارجية الحديثة.
حملت زيارة الرئيس السيسي إلى تركيا رسائل ودلالات بالغة الأهمية، تنم عن تقارب عربي تركي تقوده كل من القاهرة وأنقره، بالتأكيد سيحقق مكاسب جيوسياسية عديدة لا يستهان بها في منطقة الشرق الأوسط، إلى جانب تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين مصر وتركيا في وقت يشهد فيه العالم تحولات كبرى لواقعه السياسي، سواء من ناحية العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، أو الأزمات المتلاحقة في ليبيا، أو الوضع المتفاقم في السودان، ما يستلزم تعاون مشترك ثنائي وإقليمي بين الجانبين، لتنسيق الجهود وتوحيد الموقف وحسم تلك الملفات التي تؤرق الإقليم.
أما على الصعيد الاقتصادي، فالزيارة التاريخية خطوة إيجابية وبناءة لجذب المزيد من الاستثمارات التركية إلى السوق المصري، خاصة في ظل الفرص الواعدة التي يقدمها الاقتصاد المصري في مجالات مختلفة مثل الصناعة والطاقة والسياحة والبنية التحتية.
وهلّت بشائر الخير الاقتصادية، عقب الزيارة بأيام قليلة، حيث تم توقيع عقود تدشين منطقة صناعية تركية في مدينة السادس من أكتوبر على مساحة 2.6 مليون متر مربع، باستثمارات تقدر بحوالي 4.5 مليار جنيه، ومن المتوقع أن تجذب استثمارات ضخمة في الصناعات المختلفة بما يصل إلى 2 مليار دولار، إلى جانب توقيع مذكرة تفاهم لتطوير منطقة صناعية وخدمية متكاملة تمتد على مساحة 2 مليون متر مربع في العاصمة الإدارية الجديدة باستثمارات تصل إلى 6 مليارات جنيه.
خبراء الاقتصاد أكدوا أن التوقعات تشير إلى أن كلا المنطقتين الصناعيتين في 6 أكتوبر والعاصمة الإدارية، ستجذبان استثمارات بأكثر من 4 مليارات دولار، ما يسهم في خلق 30 ألف فرصة عمل جديدة.
بكل المقاييس أسست زيارة الرئيس السيسي إلى تركيا، مرحلة جديدة من التعاون والتكامل بين البلدين الصديقين، لأن هناك رغبة صادقة من القاهرة وأنقرة لإحداث المزيد من تطوير العلاقات وتوطيد التعاون بينهما خلال المرحلة المقبلة في كافة المجالات، لا سيما على الصعيد الاقتصادي والتبادل التجاري وتعزيز الاستثمارات المشتركة.
ويبقى القول، إن الزخم الذي تشهده العلاقات بين مصر وتركيا في وقتنا الحالي، هو انتصار بيّن لثورة 30 يونيو العظيمة ومكتسباتها، وإثباتاً بما لا يدع مجالاً للشك أن مصر الكبيرة هي بوصلة الشرق الأوسط...
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة