أكرم القصاص

مصير النفوذ الأحادى الأمريكى فى مرايا مناظرات "كامالا وترامب"

السبت، 14 سبتمبر 2024 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

جرت العادة على أن السياسات والانتخابات والمناظرات فى الانتخابات الأمريكية تتركز أكثر على الاقتصاد والضرائب وكيفية التعامل مع الطبقات الوسطى وتوفير وظائف، أو إعفاءات ضريبية إلى آخره، وفى الغالب لا يهتم الناخبون الأمريكيون كثيرا بالسياسات الخارجية، ولا بالتفاصيل المتعلقة بسياسات الولايات المتحدة.

 

لكن الانتخابات الأخيرة - وربما التى سبقتها - تشير أكثر ليس للتركيز على السياسات الخارجية، لكن إلى غياب أى تصورات لدى المرشحين عن التعامل مع الأزمات الدولية أو مواجهتها، لمنع توسع الصراعات، فقد انسحبت الولايات المتحدة من المناطق المشتعلة فى العراق وأفغانستان، بعد أن غزتهما وخربتهما وتسببت فى نهب ثرواتهما وانتشار الإرهاب فى أراضيهما، ولم تتوقف الولايات المتحدة لتعترف بجرائمها التى انتهت بفوضى فى مناطق مختلفة.


فى آخر مناظرة بين المرشحَيْن للرئاسة الأمريكية دونالد ترامب، وكامالا هاريس، بدت التصورات عن السياسة الخارجية، غير واضحة، وتتداخل مع نظريات سائدة بتراجع النفوذ الأمريكى، وغياب الرغبة فى البقاء كقطب مؤثر، مثلما كان بعد انتهاء الحرب الباردة.


فى أول مناظرة قبل انتخابات 5 نوفمبر بدت الحرب فى أوكرانيا عنوانا للنقاش، حيث يرى ترامب أن الإدارة الأمريكية تسببت فى هذه الحرب، ودفعت لها، ومولتها، من دون داع، ويرى ترامب أنّ الحرب لم تكن لتحدث لو كان فى منصبه بدلا من بايدن، وقال: «أعرف زيلينسكى جيدا، وأعرف بوتين جيدا، إنهما يحترماننى، ولا يحترمان بايدن»، وقال ترامب إنه يريد وقف الحرب، وتعهد «بتسوية» الحرب قبل توليه منصبه، بينما عرضت كامالا سجل إدارة بايدن فى الحرب، وحشد الحلفاء لدعم كييف وأصرت على أن قرار دعم أوكرانيا والحرب كان صائبا.


وإذا كان هذا هو واقع العلاقات الخارجية والنفوذ الأمريكى، فإن القضية الأساسية المتعلقة بعلاقات الولايات المتحدة وإسرائيل والقضية الفلسطينية، حيث فشلت إدارة الرئيس بايدن فى التوسط فى اتفاق وقف إطلاق النار بين «إسرائيل» وحماس أو إبرام صفقة تبادل الأسرى والمحتجزين.

كانت إجابة كامالا هاريس حول مدى قدرتها على معالجة الأزمة فى غزة، قالت هاريس إنها «ستمنح إسرائيل دائما القدرة على الدفاع عن نفسها»، وأكدت «حاجة إسرائيل إلى الدفاع عن نفسها من إيران ووكلائها فى المنطقة، فيما بدا غياب للتصور، وتعامل منحاز بشكل كامل من دون نظر إلى احتمالات تفجر الأوضاع، وتبنت نقطة دفاع إسرائيل عن نفسها بينما اكتفت خلال المناظرة بالقول، «لقد قُتل عدد كبير جدا من الفلسطينيين الأبرياء»، كامالا اعادت ترديد انحيازها لحل الدولتين وحاجة الفلسطينيين إلى الأمن وتقرير المصير.


فى المقابل فإن دونالد ترامب أصر على أنّه لو كان رئيسا، لما بدأت الحرب بين إسرائيل وحماس، أو قال إن منافسته هاريس «تكره إسرائيل والعرب، وأنّ المنطقة بأكملها سوف تنفجر، وتعهد  بـ«تسوية» الصراعات الجارية، ولم يقدم تفاصيل حول كيفية القيام بذلك، واتهم بايدن وإدارته أنهما وراء اشتعال الصراعات وغياب القدرة على التدخل والتفاوض.


الشاهد أن مناظرة ترامب وكامالا، إلى تراجع واضح فى اهتمام الولايات المتحدة بدورها كقوة فاعلة، بل إن ترامب نفسه كان وراء قرارات الانسحاب من مناطق مختلفة فى العالم، ويركز أكثر على المواجهة التجارية والاقتصادية مع الصين القوة الاقتصادية الكبيرة، والتى تدفع نحو إعادة بناء نظام اقتصادى وسياسى عالمى يتناسب مع ما يجرى فى العالم من تطورات وتحولات فى الاقتصاد والسياسة.


وبالتالى فإن المناظرات أو استطلاعات الرأى تشير إلى تغيير فى شكل المواجهات، وإعادة لبناء علاقات الدول، بما يناسب ما شهده العالم على مدار أكثر من ثلاثة عقود، ومنذ انتهاء الحرب الباردة، فى التسعينيات من القرن العشرين هناك مساع لإعادة بناء قواعد الاقتصاد والنفوذ فى العالم، فقد انتهت الحرب الباردة - أيديولوجيّا - لكنها تركت شكلا غير متوازن فى العلاقات والقدرة على حسم الخلافات والمنافسة، ولم تكن الحرب فى أوكرانيا، أو عجز الولايات المتحدة عن معالجة الحرب فى غزة، هى التى كشفت عن الحاجة لإعادة ترتيب القوة والنفوذ فى العالم، لكن مظاهرها بدأت من سنوات، حيث ترى دول - مثل الصين وروسيا، ودول الاقتصادات الناشئة - ضرورة إنهاء أحادية النفوذ، وأن يكون هناك نظام عالمى أكثر توازنا، تبدو فيه الولايات المتحدة إحدى القوى الفاعلة وليست القوة الوحيدة.


 






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة