الانتخابات الأمريكية تشغل العالم، وتبدو أحيانا مثل مباريات كرة القدم يدلى كل برأيه فيها، ويبقى الرهان قائما على دور أمريكى ثبت أنه لم يعد قادرا على الحسم، واتسمت الانتخابات خلال العقد الأخير ما يمكن تسميته «الفضائحية» وتبادل الاتهامات المشينة، وتصاعد الصدام وتضاعف الصراعات والدور الذى تلعبه السوشيال ميديا فى صورة الانتخابات الأمريكية، وشهدت الانتخابات الأمريكية السابقة والأسبق أكبر قدرا من الضجيج وسعى كل مرشح لتلطيخ سمعة منافسه وإلصاق كل العيوب فيه.
كانت انتخابات 2016 بين هيلارى كلينتون ودونالد ترامب أكبر حرب شهدت تبادل الاتهامات ونشر الفضائح، والتى تجددت على مدى الحملة فما كادت حملة هيلارى تنتهى لصالحها، بعد نشر عشرات الاتهامات بالتحرش ضد ترامب، تم الكشف عن تلاعب فى القاعدة الانتخابية من قبل ديمقراطيين، ثم عادت أجواء «ووتر جيت» بعد الإعلان عن تسريبات البريد الإلكترونى لهيلارى أثناء توليها وزارة الخارجية، واحتمالات تسريب معلومات سرية تضر الأمن القومى، وخلط بين بريد هيلارى الشخصى، والمتعلق بوزارة الخارجية.
وبعد فوز ترامب بقيت الحرب قائمة، وشن الديمقراطيون حملة ضد ترامب واتجهت الاتهامات إلى تدخلات روسية فى الانتخابات الأمريكية لصالح ترامب، فيما استمرّت اتهامات الديمقراطيين لترامب طوال مدة حكمه، والتركيز على تصريحاته وسياساته التى بدت مختلفة لاتجاهات الدولة العميقة فى أمريكا، خرجت هيلارى من السباق وتواجه ترامب وجو بايدن، والذى فاز بينما شكك ترامب فى النتائج واتهم أطرافا بالتدخل لصالح الديمقراطيين وتزييف النتيجة والتلاعب فى عمليات التصويت بالبريد.
وبدا ترامب مصرا على خوض السباق واستعادة الرئاسة، واتهم بالتحريض على اقتحام الكونجرس، واستخدام العنف والتحريض على الديمقراطية الأمريكية، بينما يصر ترامب على كيل الاتهامات لخصومه، وبعد المناظرة الأولى مع جو بايدن تنحى الأخير تاركا نائبته كامالا هاريس فى منافسة ترامب، وتتواصل الاتهامات خلال الانتخابات لكنها تبقى هى الأخرى خليطا من الفضائحية والاتهامات بالتدخل.
كان تركيز الأجهزة والمؤسسات الأمريكية على اتهام روسيا بالتدخل فى الانتخابات الأسبق لصالح ترامب، علامة على تراجع صورة الولايات المتحدة نفسها، التى ظلت على مدى التاريخ الحديث متهمة بالتدخل وليس العكس، بينما كان الرد الروسى على الاتهامات يتسم بالسخرية والدهشة.
الواقع أن الانتخابات الأمريكية تقوم عادة على عمليات تسويق سياسى تعد من سمات السياسة الأمريكية، وهى عملية معقدة تتداخل فيها عناصر كثيرة، من بينها استطلاعات الرأى التى تلعب دورا مهما فى المنافسة السياسية الأمريكية، لكنها فى الواقع منافسة بين الجمهوريين والديمقراطيين، ولم يحدث أن ظهر أى حزب أو تيار آخر، هناك تيارات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار لكنها تعمل ولا تحصل على أى مقاعد إلا القليل بشكل يجعلها أقرب للكومبارس، ربما لهذا يظل السباق محسوما بين الديمقراطيين والجمهوريين، اللذين يتفقان فى قضايا مثل دعم إسرائيل ومواجهة الصين والحرص على التفوق، والباقى يبدو فيه الخلاف فى الدرجة وليس فى النوع.
ومن سمات التسويق السياسى أنه يعتمد على التضخيم وابتكار أشكال وحيل والاتهامات ومحاولة التقليل من صورة الخصم، وهو ما يجرى فى عالم المتنافسين الرئيسيين فى الانتخابات الأمريكية ترامب وكامالا، وقبلها مع بايدن أو حتى هيلارى، حيث تلعب حملتا المرشحين دورا مهما، من خلال لجان إلكترونية وخبراء تسويق، يقدمون نصائحهم للمرشحين، فى المناظرات أو المؤتمرات.
المنافسة اتخذت خلال الدورات الأربع الأخيرة شكلا أكثر عنفا، ربما لطبيعة دونالد ترامب، الذى اختلف وتصادم مع مؤسسات وجهات بعضها ينتمى إلى العميقة، تصادم ترامب مع الإعلام والأجهزة الأخرى، بل إن فوزه أول مرة كان مخالفا لكل التوقعات والاستطلاعات، وخسر ترامب وهو يردد اتهامات بالتلاعب لمنافسيه وجهات أخرى، ويخوض الانتخابات الحالية وهو محمل بعدد من الاتهامات، فضلا عن أنه واجه منعا من مواقع التواصل وتم تعطيل حساباته فى مواقع التواصل التى كان يستخدمها للعبور على حصار الإعلام التقليدى.
فوز دونالد ترامب فى انتخابات 2016 جاء على عكس توقعات غالبية الإعلام والنخب الذين روجوا لكون ترامب لا يستحق ولا يمتلك المؤهلات، ويمثل تهديدا للديمقراطية، ومع هذا فاز وحكم لفترة رئاسية وبدأ يمارس سياسات الولايات المتحدة علنا ومن دون إخفاء أو أقنعة، وفى الانتخابات التالية خسر ترامب بصعوبة وبسبب موقفه المستهين بفيروس كورونا، ويصر على استعادة موقعه فى البيت الأبيض، ويقدم نموذجا أمريكيا فى التسويق السياسى، فى زمن تتراجع فيه صورة الولايات المتحدة التى تبدو قوة بين قوى متعددة ومتنافسة.
مقال أكرم القصاص