عملية عاصفة الأقصى في 7 أكتوبر الماضي مازالت تمثل زلزالا حقيقيا ضرب إسرائيل بصورة غير مسبوقة بعد حرب أكتوبر المجيدة أو حرب يوم الغفران- كما يطلق عليها قادة إسرائيل-
فما أحدثته العاصفة في الداخل الإسرائيلي حتى الآن وبعد مرور 11 شهرا من حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في غزة والفشل في تحقيق الأهداف المعلنة وغير المعلنة من الحرب سوى القتل والتشريد والتدمير يعيد طرح السؤال المخيف الذي تناولته العديد من الكتابات والدراسات الاستراتيجية حول مستقبل ووجود الكيان الصهيوني.
الفشل العسكري والهزيمة الساحقة التي كانت من الممكن انزالها بجيش الكيان من حركات المقاومة، لولا الدعم الأميركي اللامحدود بكافة أنواع السلاح المتقدم والمتطور، والخسائر الغير معلنة في الأرواح والعتاد والمعدات العسكرية ينظر اليه قطاع كبير داخل المجتمع الإسرائيلي بأنه زلزال عنيف للغاية يهز الثقة ويحطم الأوهام حول أسطورة الدولة القوية ويطرح الأسئلة الوجودية التي تتجلى مظاهرها على الأرض من هجرة الألاف من الجليل الأعلى -شمال إسرائيل- أو من غلاف غزة والمناطق المجاورة داخل فلسطين المحتلة الى الداخل الإسرائيلي- يقدر بحوالي مليون شخص- الى الداخل والإقامة في مخيمات، وهجرة آخرين الى الخارج.
الانقسام السياسي و تشتت الرأي العام داخل إسرائيل والمظاهرات الكبيرة المطالبة بوقف الحرب والافراج بأي ثمن عن الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين واتهام رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بجلب الخراب و حالة الخوف والذعر داخل إسرائيل والتي لخصته رسالة تداولتها وسائل اعلام إسرائيلية وفلسطينية من عدد كبير من جنرالات الجيش الإسرائيلي السابقين الى نتنياهو وتطالب رئيس الشاباك - جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي- حسب القانون بوقف رئيس وزراء إسرائيل بتهمة تقويض الحكومة الديمقراطية في دولة إسرائيل واعتباره المسؤول المباشر عن الأضرار الجسيمة التي لحقت بالجيش الإسرائيلي وأمن إسرائيل
الخسائر والأضرار الجسيمة التي لحقت بالاقتصاد الإسرائيلي وقطاعات كثيرة منه في الزراعة والصناعة والسياحة وقطاع البناء والعقارات أدت الى عجز تعاني منه الموازنة بسبب تكلفة الحر طوال العام الماضي والتي ربما تتجاوز الـ100 مليار دولار حتى الآن. ومعاناة الاقتصاد الإسرائيلي تداعيات تجنيد مئات الآلاف من جنود الاحتياط، إلى جانب إجلاء مئات الآلاف من الإسرائيليين من منازلهم في مستوطنات "غلاف غزة"، والنقب الغربي، والحدود اللبنانية، وتعطيل العمل بالمدارس والجامعات، والمرافق الاقتصادية، بما في ذلك السياحة والمطاعم والمقاهي وأماكن الترفيه.
الأرقام مفزعة حسب بيانات وزارة المالية الإسرائيلية ومع ذلك نتنياهو وبدوافع شخصية أعلن استمراره في الحرب مهما كان الثمن حتى لو كان على حساب الوجود الصهيوني في فلسطين المحتلة عام 48 في ظل دعم أعمى ولا محدود سياسيا وعسكريا من الولايات المتحدة الأميركية والغرب الأوروبي أسفر عن آلاف الضحايا من الأطفال والنساء داخل غزة والأرض المحتلة في الضفة الغربية- أكثر من 41 ألف شهيدا-وتدمير البنية التحية في القطاع.
في الخارج خسرت إسرائيل ما كنت تحسبه رصيدا جماهيريا عالميا استحوذت عليه بعملية خداع اعلامي مهول في السابق وكشفته حرب الإبادة ضد غزة، فانتفض الضمير العالمي من طلبة وأدباء وفنانين وكتاب، من بينهم 6 شخصيات نالت جائزة نوبل للسلام لإدانة حرب الإبادة والمطالبة بفرض حصار عسكري على "إسرائيل" لارتكابها جرائم حرب. وتضامن الرأي العام في أوروبا والولايات المتحدة مع عدالة القضية الفلسطينية ومع الشعب الفلسطيني
انه الزلزال الكبير وتوابعه التي لم تتوقف منذ السابع من أكتوبر داخل إسرائيل والذي يؤدي الى ما يسمى بحتمية " اليوم الأسود" أو يوم اقتراب النهاية .فعندما تنشر صحيفة يديعوت احرونوت الإسرائيلية موضوعا تحت عنوان «الهجرة المعاكسة وشراء شقق خارج إسرائيل تحسباً لليوم الأسود» فذلك يعني استحالة قيام دولة يهودية وأن اليقين بتفكك الكيان الإسرائيلي صار متجذراً في وجدان الصهاينة، أما جملة، تحسباً لليوم الأسود، فهي تعني أن عمق الوجدان الصهيوني صار متيقنا من حتمية زوال دولة إسرائيل... حسب الصحيفة الإسرائيلية.
بعض الكتابات والكتب التي صدرت مؤخرا تذهب الى تأكيد ذلك اليقين بل وتعتبر وجود إسرائيل في حد ذاته هو جريمة صنعها الغرب في المنطقة. فالكاتب الفرنسية فيفيان فورستيه تشرح في كتابها الصادر من عامين تقريبا ويعاد نشره وقراءته من جديد عقب الحرب على غزة بعنوان " جريمة الغرب"، كيف ارتكب الغرب جريمته بحق الشعب الفلسطيني، وهي في عمقها جريمة اوروبية ارتكبت بحق اليهود، ومن ثم أطلقوا وعد بلفور البريطاني، وبتأييد من الأوروبيين، الذين منحوا اليهود حق ارتكاب مجازرهم البشعة بحق الشعب الفلسطيني، وفي تشريدهم وتهجيرهم، وصولاً لاحتلال وطنهم فلسطين.
الكاتبة الفرنسية وبضمير حي تقول" نحن الأوروبيون، صنعنا هذه المأساة للشعب الفلسطيني والفوضى للعالم العربي، نحن الأوروبيون، لفظنا اليهود ورمينا بهم في فلسطين. نحن الأوروبيون، غسلنا عارنا بدماء الفلسطينيين، وتركنا اليهود يتفننون في قتل وذبح وهدم بيوت الفلسطينيين، وتهجيرهم والاستيلاء على أرضهم، واحتلال بلدهم تحت أعيننا، وجعلنا من المظلومين إرهابيين ظالمين."
الكتاب الذي ينبغي ترجمته الى العربية وتوزيعه على المكتبات العربية حتى يقرأه الناس متخم وزاخر بالأسئلة الصادمة التي مازالت تؤرق الضمير الأوروبي ويخجل قادته من الإجابة عليها.." فمن أحرق من ومن جوع من ومن أقام المقابر الجماعية لمن ومن قام بتهجير السكان الأصليين ..." وتنهي فيفيان فورستيه الكتاب بنداء لقادة أوروبا :" ردوهم إلى أوروبا، وابحثوا عن محارق اليهود وأفران الغاز في أوروبا وليس في فلسطين."