فى ظل التحديات الاقتصادية المحلية والدولية التى تواجه الاقتصاد المصرى جاء إعلان الحكومة عن حزمة التيسيرات الضريبية الجديدة كخطوة استراتيجية لتعزيز الثقة بين الدولة والمستثمرين وتوفير بيئة استثمارية مشجعة ومحفزة على النمو وتلك التسهيلات، التى تم الكشف عنها خلال مؤتمر حضره رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى ووزير المالية، تمثل رؤية واضحة نحو تعزيز الشراكة بين مصلحة الضرائب والمجتمع الضريبى، وهو ما سيسهم بلا شك فى دفع عجلة التنمية الاقتصادية وتحقيق معدلات نمو مرتفعة ومستدامة.
من أهم ما يميز هذه التيسيرات هو النظام الضريبى المبسط الذى يركز بشكل خاص على دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، فضلا عن رواد الأعمال والمهنيين المستقلين وهذه الفئة هى العمود الفقرى للاقتصاد المصرى، وتمثل شريحة كبيرة من المجتمع الاقتصادى وتقديم دعم حقيقى لهذه الفئة لا يسهم فقط فى دعم قدراتها على النمو، بل يؤدى أيضا إلى توسيع قاعدة الممولين، ما ينعكس إيجابيا على الإيرادات العامة للدولة، ويمكن الحكومة من تحسين مستوى الخدمات العامة المقدمة للمواطنين.
لا يمكن الحديث عن أهمية هذه التسهيلات دون التطرق إلى نقطة محورية أخرى، وهى الشراكة بين مصلحة الضرائب ومجتمع الأعمال، وقد كان نهج الحكومة فى التعامل مع الممولين يعتمد فى الماضى بشكل أساسى على العقوبات والإجراءات القاسية، لكن اليوم نرى توجها جديدا يركز على بناء الثقة وتعزيز الشفافية فى التعاملات المالية والضريبية، وهذه الشراكة التى أعلنت عنها الحكومة تؤكد إدراكها لأهمية التعاون بدلا من المواجهة مع المستثمرين والممولين، فهى تسعى الآن لتوفير بيئة استثمارية قائمة على الشفافية واليقين، ما يساعد فى جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، وتشجيع المستثمرين المحليين على التوسع فى أعمالهم.
واحدة من أبرز التيسيرات التى تم الإعلان عنها هى السماح بتقديم الإقرارات الضريبية للفترات السابقة دون فرض غرامات، وهى خطوة تشجع المستثمرين على تصحيح أوضاعهم المالية والضريبية دون خوف من التعرض لعقوبات قد تعيق أنشطتهم الاقتصادية، كما أن الاعتماد على نظام الفحص الضريبى بالعينة، واستخدام إدارة المخاطر فى تقييم الممولين، بمثابة نقلة نوعية فى أسلوب إدارة الملفات الضريبية ويقلل من الاحتكاك المباشر بين الممولين والإدارات الضريبية، ويحد من التقديرات الشخصية التى قد تؤدى إلى عدم الدقة فى بعض الحالات، ما يضمن عدالة وشفافية أكبر فى التعامل.
إن التوسع فى تقديم التسهيلات الضريبية لا يخدم فقط المستثمرين المحليين، بل يسهم أيضا فى جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية، خاصة فى القطاعات الحيوية مثل الطاقة والصناعة، ومن هنا فإن تحسين بيئة الأعمال فى مصر يعزز من تنافسها على المستويين الإقليمى والدولى، وإنشاء آلية جديدة لتسوية النزاعات الضريبية بشكل مركزى وتبسيط عملية استرداد ضريبة القيمة المضافة يأتيان كخطوات مهمة نحو تحسين مناخ الاستثمار.
لا يمكن إغفال أهمية استثمار الحكومة فى رفع كفاءة العاملين بمصلحة الضرائب، وتحسين الأوضاع المادية والمعنوية لهؤلاء العاملين يعد عنصرا أساسيا لضمان تقديم خدمات ضريبية متطورة وعادلة للممولين، كما أن إنشاء نظام عصرى لتقييم العاملين بناء على جودة الخدمات المقدمة يؤكد جدية الحكومة فى تنفيذ إصلاحات هيكلية داخلية تهدف إلى تحقيق العدالة والشفافية فى التعامل مع مجتمع الأعمال.
فى الختام، يمكن القول إن التيسيرات الضريبية الجديدة هى بداية لعلاقة جديدة بين الدولة والممولين تقوم على الثقة والشراكة والشفافية، وهى الأساس الذى يمكن من خلاله تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، ودعم المشروعات الصغيرة ورواد الأعمال، وتبسيط الإجراءات الضريبية، والاعتماد على نظم تقييم شفافة وعادلة، هى خطوات ضرورية لتعزيز مناخ الاستثمار فى مصر، وتحقيق مصلحة الجميع وبهذا النهج، تستطيع مصر أن تجذب المزيد من الاستثمارات، وتواصل تحقيق معدلات نمو اقتصادى تساعد فى تحسين حياة المواطنين ورفع مستوى معيشتهم.