تشير النزاهة إلى مقدرة الفرد في حفاظه على المال العام وتنميته وتحصينه عبر آليات الضبط التي تضمن تجنب إهداره أو أخذه دون وجه حق، ويتناغم مع ماهية النزاهة سلوك من يقع على عاتقه المسئولية، ونقصد بذلك سلوكه الشخصي كالإنصاف وتجنب التحيز والأمانة والحياد والتفاني في العمل من أجل تحقيق غايات المؤسسة وليس غايات شخصية، ناهيك عن الإخلاص والصدق والالتزام بمعايير العمل المؤسسي، وتجنب الشلالية والحذر من تفضيل شخص عن آخر وفق الهوى أو بعيدًا عن معايير معلنة، وهذا في مجمله يقع تحت مدونة السلوك الأخلاقي لسائر المهن.
وفي ذات السياق نوقن أن النزاهة ترتبط بمنظومة القيم الخفية التي لا تنفك عن الصدق والأمانة والاخلاص والوضوح والشفافية والمعيارية، التي تضمن تحقيق المهنية في حيز العمل المؤسسي، ونؤكد على أن دلالة الشفافية تقوم على إتاحة كافة المعلومات للجميع دون استثناء، وأن يكون هناك حرية لتدفق المعلومات والبيانات ومطالعتها لدى أفراد المكون المؤسسي دون استثناء.
إن الابتعاد عن مواطن الشبهات ومواضع الغموض تشير إلى النزاهة والشفافية، وفي المقابل فإن تبنى مسار التعتيم واستخدام آليات التضليل تؤكد على صورة الفساد ومأربه الخفية، وإذا ما خرج من يتولى إدارة شئون المؤسسة عن سياق وماهية النزاهة والشفافية فذلك يُعد ضربًا من ضروب الفساد المؤسسي؛ إذ يستهدف أن يحقق من وراء هذا مكاسب شخصية بتنوعاتها المختلفة، وهو ما يقع تحت مسمى إساءة استغلال المنصب.
وتسعى الدولة من خلال أجهزتها المعنية إلى مكافحة الفساد ومنعه عبر تدابير وقائية، ومن خلال مراقبة تطبيق القوانين بشتى المؤسسات دون استثناء، وفي هذا الإطار أكد فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي على تمسك الدولة قيادة وشعبًا بسيادة القانون ورفض كافة صور وممارسات الفساد، والعمل على ترسيخ قيم النزاهة وسياسة الشفافية، وأن الجميع بدون أي استثناء كلهم سواء أمام القانون.
إن العمل المؤسسي الذي يحاط بسياج من الشفافية والنزاهة يربأ من يتولى شئونه أن يقوم بأفعال تقع تحت مسمى الإغفال، سعيًا منه للحصول على مكاسب أو مزايا أو إحداث أثر يراه إيجابيًا جراء ذلك، ومن ثم ينال ما لا يستحق في مقابل أن يقتنص من حقوق ومستحقات الغير دون وجه شرعي، أو سند قانوني معلن للكافة، وفي هذا الإطار نجد أن الدولة المصرية في الوقت الراهن وفي خضم الحكم الرشيد أكدت على المسار التنموي الذي يخلو من دروب الفساد من أجل أن تتحقق العدالة بكل أنماطها وبصورتها الصحيحة بما يحقق مستويات الرضا المؤسسي والمجتمعي على حد سواء.
ودعوى الرئيس تجاه حماية مقدرات الوطن وشعبه العظيم تحتم على كل مسئول بمؤسسته أن ينتهج مبدأ الشفافية وينفذ آليات الوصول إلى المعلومات بقطاعات مؤسسته، ومن ثم يسد الفجوات التي يتخلل منها الفساد إلى أعضاء المؤسسة، وهذا يؤكد لدى الرأي العام بالمؤسسة ثقافة الشفافية والنزاهة ويمنع القيل والقال، ويعضد الثقة بين الرئيس والمرؤوس ويشعر الجميع بالطمأنينة، ويجنب مشروعية اللجوء للطرائق غير الشرعية في اقتناص الحقوق، أو انتهاج صور التشهير بسمعة المؤسسة والقائمين على إدارة شئونها.
ونؤكد بأن الاستقامة لا تعني أن ننظم دورة مستندية تقوم على التزييف وتسهم في ضياع حقوق الغير؛ لكن الاستقامة تنبع من ضمير يقظ يسعى إلى جنى ثمار الدارين؛ فتنشرح الصدور ويتحقق الأمن والأمان المؤسسي، وتقر عين الجميع، وتلكما غاية نبيلة لا يفقهها إلا من كان له قلب نقي ويد طاهرة ووجدان صافي يغلب من خلاله المصلحة العامة على الخاصة ومصالح الوطن العليا الوطن عما سواه.
ولمواجهة الفساد وأنماطه وسبله نحذر من انتهاج سياسة الشفافية الانتقائية التي تقوم على عرض معلومات وإخفاء أخرى؛ فهذا قطعًا لا يلقى قبولًا من المجتمع المؤسسي، ودون مواربة يعزز مسارات الإفساد ويقوى من شوكته، ويجعل للمبررات المزيفة منطق قبول؛ فما أكثر المضللين الذين تكن أنفسهم ما يخالف فصيح ألسنتهم، ومن ثم فإن الشفافية المطلقة تدحر أشكال الفساد وتعضد فلسفة الشراكة داخل المؤسسة، لا فلسفة الاستحواذ لأهل الثقة دون أصحاب الخبرات بتنوعاتها.
ونشير إلى أن مكافحة الفساد إن لم يتوافر الوازع الداخلي الرافض؛ فإن استفحاله داخل المؤسسة سوف يقوض غاياتها الرئيسة، وغاية التمني تكمن في مُناخ مؤسسي يقوم على النزاهة والشفافية كي لا يجد الفساد قوس منزع داخل العمل المؤسسي؛ ليصبح منتسبي المؤسسة على قلب رجل واحد؛ فلا مناص عن رضا تقوم فلسفته على عدالة ومساواة وتكافؤ للفرص.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.