تحاول الدولة المصرية، بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى، منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية الغاشمة على قطاع غزة فى السابع من أكتوبر الماضى، التوصل إلى اتفاق للتهدئة ووقف إطلاق النار، واحتواء الصراع لتجنيب المنطقة أى تصعيد عسكرى يدفع بها نحو الهاوية، لكن رغم الجهود المصرية كوسيط بين إسرائيل وحماس وباقى الفصائل الفلسطينية، فإنه يتم إحباطها بسبب الممارسات الاستفزازية للجانب الإسرائيلى، التى تستهدف بشكل واضح توسيع دائرة الصراع لتشمل قوى إقليمية أخرى من بينها إيران وحلفائها فى اليمن والعراق وجنوب لبنان، جيش الاحتلال الإسرائيلى يواصل شن مئات الغارات، حيث واصل جيش الاحتلال القصف المدفعى وتنفيذ جرائم فى مختلف أرجاء قطاع غزة، وارتكاب مجازر دامية ضد المدنيين، وتنفيذ جرائم مروعة فى مناطق التوغل، وسط وضع إنسانى كارثى نتيجة الحصار ونزوح أكثر من 90 % من السكان، كذلك التصعيد الذى تشهده الضفة الغربية، بالإضافة إلى فتح جبهة فى لبنان، الأمر الذى يعكس عدم وجود إرادة سياسية إسرائيلية للتهدئة ووقف إطلاق النار، وذلك من أجل أن يجد رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو مبررا لاستمرار هذه الحرب، فالرهان هنا على الوقت حتى يتمكن من تحقيق عدد من الأهداف، من بينها تعطيل محاكمته داخل إسرائيل فى تهم الفساد الموجهة إليه، بالإضافة إلى فشله الأمنى فى 7 أكتوبر وما بعدها، خاصة فى ظل ما تكبدته إسرائيل من خسائر بسبب هذه الحرب اللاإنسانية، إلى جانب فشل حكومته فى تحقيق أى أهداف من هذه الحرب وعلى رأسها عودة الأسرى.
ويرى نتنياهو فى إطالة أمد الحرب فرصة جيدة حتى انتهاء الانتخابات الأمريكية، التى يزداد فيها فرص دونالد ترامب الذى يعد من أكثر الداعمين للسياسات الإسرائيلية، ومن المتوقع أن يقدم دعما لا محدود إلى دولة الاحتلال الإسرائيلى فى حربها على غزة، على عكس الرئيس الأمريكى بايدن، الذى يمارس ضغوطا كبيرة على نتنياهو من أجل إنهاء الحرب، وعقد اتفاق بشأن عودة الأسرى، وهو ما يفسر لماذا يصر نتنياهو على تعطيل المفاوضات التى كان آخرها إعلانه تمسك إسرائيل بوجود قوات لها فى معبر رفح ومحور فيلادلفيا، وهو ما ترفضه مصر بشكل قاطع، خاصة أن هذا المحور يقع فى المنطقة العازلة التى أقرتها اتفاقية السلام «كامب ديفيد»، بين مصر وإسرائيل، ومن المعروف أن تعديل أى بند من بنود الاتفاقية يتطلب موافقة الطرفين، وهو ما لن تقبل به مصر بأى حال، وحذرت مصر مرارا وتكرارا من أى محاولة للمساس بأمنها القومى، أو محاولات جر الشرق الأوسط إلى صراع إقليمى سيدفع ثمنه الجميع، ليس فى المنطقة فقط، وإنما ستمتد مخاطره إلى باقى دول العالم.
وعلى الرغم مما يشهده الإقليم من توترات وحدود ملتهبة، فإن الدولة المصرية قادرة على حماية أمنها واستقرارها بفضل سياستها الحكيمة، التى تتميز بالمرونة وتتشكل وفقا للمتغيرات الإقليمية والدولية، الأمر الذى منحها قدرا كبيرا من الاتزان فى التعامل مع الأزمات بكل أبعادها، ورغم ذلك، فإن مصر الأكثر حرصا بين القوى الإقليمية والدولية على إنهاء هذه الحرب حفاظا على أمن واستقرار المنطقة، والأمن والسلم الدوليين، لذلك بات الوقف الفورى لإطلاق النار ضرورة تتطلب تكاتف المجتمع الدولى من أجل خفض حدة التوتر وعدم الاستقرار فى المنطقة، فضلا عن السماح بنفاذ المساعدات الإنسانية بدون أية عوائق إلى القطاع، وبدء مسار سياسى لتنفيذ حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، باعتباره الخيار الوحيد لحل القضية الفلسطينية جذريا.
والحقيقة التى لا ينكرها إلا جاحد أن الدولة المصرية تبذل جهودا مضنية من أجل إنهاء هذه الحرب ومن أجل وقف نزيف الدم الفلسطينى، ووقف معاناة سكان غزة الذين يواجهون ظروفا إنسانية شديدة التدهور منذ أكتوبر الماضى، لذلك لا بد أن يعى العالم أن وقف الحرب على غزة خطوة مهمة من أجل إحلال السلام، وتجنيب المنطقة المزيد من التصعيد العسكرى، وهو ما يتطلب انسحابا كاملا للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة، وضمان وجود مسارات آمنة لدخول المساعدات الإنسانية، وبدء مسار سياسى تفاوضى لتنفيذ حل الدولتين.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة