أطلقت منذ أيام جريدة اليوم السابع مبادرة "اتكلم عربى" التي لاقت استحسان وتفاعل الكثير من المهتمين باللغة العربية والحفاظ على مكانتها العريقة والمميزة، وفي ضوء ذلك تواصلنا مع الدكتور عبد الحميد مدكور الأمين العام لمجمع اللغة العربية وأستاذ بجامعة القاهرة كلية دار العلوم والأمين العام لاتحاد المجامع اللغوية العربية.
قال الدكتور عبد الحميد مشكور في بداية حديثه: أشكركم على هذه العناية وتقديم هذا المشروع الحي الناضج الذي يتحدث عن ركن أصيل من أركان الهوية العربية، ويعطينا فكرة لاحترام هذه اللغة التي تحمل تاريخًا مجيدًا، ويجب أن يكون لها موقعها في العصر الحاضر وفي مصر، فلكم الشكر على التفكير في هذا الأمر نفسه وعلى شغل عقولكم وأذكاركم على هذا العمل المجيد الذي سيسجله التاريخ لكم وتشكرون عليه من مجمع اللغة العربية ومن كل مهتم باللغة العربية.
وتابع الدكتور عبد الحميد مدكور في تصريح خاص لـ "اليوم السابع": أما الشباب فنحن علينا أن نوجههم إلى الاعتزاز بلغتهم وثقافتهم وتاريخهم وهويتهم لأن اللغة العربية هي العنصر الجامع بين الشعوب العربية كلها أما اللهجات فهي مختلفة من مكان إلى مكان، بحيث يتعذر على الناس أن يتفاهموا عن طريق اللهجات العامية الكثيرة التي لا تختلف فقط بين الشعوب العربية في بلادها المختلفة، بل أنها تختلف أحيانا في داخل مجتمع واحد، ولا يصح أبدًا أن يربى الشباب على الانتماء إلى ثقافات أخرى، مع ضرورة العلم باللغات الأجنبية الأخرى لأنها لغة العلم الحديث، ونحن لا نقف حجر عثرة في هذا الأمر بل يجب أن ننافس الأمم في التعلم للغات الأجنبية لأنها هي التي تحمل العلم في هذا الزمان، حتى تقل الهوة بيننا وبينهم فيما يتعلق بالمعارك العلمية، وخصوصا بالابتكارات الحديثة التى يقدمها العالم للناس كلهم في كل وقت، لكن هناك فرق بين أن نعرف اللغات الأجنبية وبين أن نتعلم باللغات الأجنبية وبين أن نجهل اللغة الخاصة بنا وهي ذاتيتنا وهويتنا وشرفنا ومجدنا، خاصة أن اللغة العربية لها تاريخ مجيد عريق جدًا، حيث كانت في وقت من الأوقات هي اللغة الأولى للعلم في العالم كله، ويأتي الناس من جميع أقطار الأرض إلى البلاد العربية لكي يتعلموا فيها.
وأضاف الدكتور عبد الحميد: أن الناس كانوا يأتون إلى مدينة القاهرة لمواقعها العلمية الكبرى، والمغرب وتونس ودمشق وبغداد وغيرها، فكان الناس يأتون إلينا لكي يتعلموا الفلك والطب والعلوم المختلفة والصيدلة والنبات وسائر العلوم الأخرى التي كانوا يتعلمونها باللغة العربية أو بكتب عندهم مترجمة من اللغة العربية، ومن الأسماء القديمة والقيمة عندنا نجد أسماء مثل ابن رشد وابن سينا والكندي والفرابي وابن الهيثم وابن البيطار وأمثال هؤلاء العلماء، فعلى الشباب أن يعرفوا هذا التاريخ وأن ينتموا إلى قوميتهم وإلى لغتهم وأن يعبروا بها عن ذاتيتهم، أما أن يكونوا أتباعًا وهوامش للغات الأخرى، وذلك لا يرفع قدرهم، ولا يعطيهم مكانتهم وسيظلون غرباء على تلك اللغات، أما الذي يجب أن يعلموه وأن يتعرفوا عليه فهو لغتهم الأصلية التي يجب أن تكون على ألسنتهم ويجب أن تكون في عقولهم وأن يفكروا بها وأن يكتبوا بها، مع تعلمهم اللغات الأجنبية حتى لا يظن أحد أننا ضد تعلم اللغات الأجنبية ولا أننا ضد استعمال اللهجة العامية، فاللهجة العامية طبيعية في مجتمعاتنا وفي كثير من مفرداتها تعود إلى لغة عربية مع تغيير في النطق بها، ومن ثم فنحن لا نحارب الكلام باللغة العامية ولكن لكل مقام مقال، فإذا كنا نتحدث في الجامعات أو في التعليم أو في الإعلام أو المؤتمرات العالمية والدولية فيجب أن نتعامل بلغتنا كما تحرص كل الشعوب على إعلاء قيمة لغتها وعلى الحديث إلى الناس بلغتهم دون أن يستخدموا لغات أخرى، حتى لو كانت لغتهم لغة أقلية على مستوى العالم كله.
كما تقدم الدكتور عبد الحميد مدكور الشكر على إثارة الاهتمام بهذا الموضوع وتقديم مشروعات علمية وقد لاحظ أن هناك مما يتعلق بهذا المشروع مع أنه حديث الوقت نسبيًا، إلا أن هناك بعض الكتب التي تنشر باللغة العربية، فقد قرأت خمسة كتبة بخمسة عناوين تتعلق بهذا الأمر بأسماء أصحابها وجزاهم الله خيرًا يدافعون على اللغة ويسعون إلى بيان أهميتها ويتحدثون عن تاريخها وثقافتها وضرورة الانتماء إليها والانتساب إلى فكرها والتحدث بها، فهذا جهد يبين أن مشكلة اللغة العربية ليست مشكلة في أقسام اللغة العربية أو مجامع اللغة العربية فقط، ولكن يجد أن تكون مهمة قومية يشترك فيها كل انسان في مصر والعالم العربي بطرف أن بجزء مما يؤدي إلى إعطاء هذه اللغة قيمتها العلمية العالمية التي اعترف العالم بها كأحد اللغات الست في منظمة الأمم المتحدة منذ عام 1973.
وأنهى الدكتور عبد الحميد حديثه: لكم الشكر الجزيل على مثل هذا الأمر، ونحن معكم بقلوبنا وبأذكارنا وبالتعاون معكم وينبغى أن تكونوا حملة هذه الراية المشرفة لكم والتى ستكتب في تاريخكم عملًا تتقربون به إلى الله عز وجل لنصرتكم لهذه اللغة وتجمعون به الأمة على كلمة سواء فيما يتعلق باللغة العربية والفكر الموجود في اللغة العربية، وهذا أمر نحمده ونشركه لكم ونسأل الله أن يعينكم على تحقيق مقاصدكم النبيلة من وراء هذا المشروع.