هناك ملاحظات ودراسات كثيرة جدا، توقف عندها عدد كبير من الباحثين في الأدب الشعبي، ولاحظها أغلب الناس، حول التشابهات الواسعة بين الأمثال والحكايات الشعبية، وأيضا حول التماثلات بين التصورات الروحية، والاحتفالات والممارسات، في تراث شعوب مختلفة، ربما لم يتصل بعضها ببعض اتصالا مباشرا..
قد تختلف أو تتباين تفاصيل محدودة في هذه التشابهات والتماثلات التي عرفها هذا التراث، بحكم ارتباطها بمفردات البيئة التي يعيش فيها كل شعب، وأيضا قد تتنوع كيفيات توظيف هذا التراث من موطن لآخر، ومن فترة لأخرى من فترات التاريخ.. لكن المؤكد أن هذه التشابهات والتماثلات تظل ظاهرة حاضرة بوضوح، والأمثلة عليها أكثر من أية محاولة للإحصاء وأكبر من أية محاولة للتتبع.
توقفت دراسات كثيرة عند هذه الظاهرة، وطرحت أسئلة كثيرة حولها، وحاولت أن تجد تفسيرات مناسبة لها. ركّز بعض هذه التفسيرات على تجارب "الهجرات" التي تنتقل خلالها الثقافات والتصورات والمأثورات من بلد إلى بلد.. واهتمت تفسيرات أخرى بمقولات عن "وحدة العقل البشري"، أو "تماثل قوانين تطور الثقافة البشرية"، بما يقود إلى نوع من تشابه التعبيرات الشعبية التي تصدر عن "العقل الجمعى" خلال حقب بعينها في مسيرة التاريخ الإنساني، أو بما يشير إلى "الوحدة الجوهرة للطبيعة البشرية" التي جعلت الإنسان يفكر، ويصوغ تصوراته ويعبر عنها، في حقبة ما، بالطرق نفسها وبالصياغات نفسها تقريبا، في كل مكان على الأرض.
وأيا كانت التفسيرات لظاهرة التشابهات والتماثلات في الميراث الشعبي الإنساني الذي قطع تاريخا طويلا في أماكن وبلدان عدة من هذا العالم، فإن هذه الظاهرة تفترض، ولو على سبيل المنطق البسيط، ما يقود وما يؤدي إلى حضور شكل من أشكال التقارب بين شعوب العالم وبلدانه.. فإلى أي حد نجد هذا التقارب حاضرا الآن؟ وإلى أي حد كان متحققا في تواريخ أقدم؟
الحقيقة أن هذا التقارب بين الإبداعات الشعبية الإنسانية لم يجد موازيا له في علاقات البلدان خلال تاريخ طويل قديم.. وأن هذا التقارب لم ينف أبدا النزاعات والحروب والأطماع التي تمثلت في أشكال عديدة من الاحتلال تحت مسمّى الاستعمار.
هذا في التاريخ القديم.. أما في مشهد العلاقات الدولية الراهن فهناك، كما نرى جميعا، تزايد وتفاقم لأشكال الصراع والتناحر والاستيطان والإزاحة والإبادة والنزوع إلى الهيمنة، إلى آخر هذه الممارسات التي تمضي في هذا الاتجاه.
هذا كله، في التاريخ القديم والحديث والراهن، يضعنا أمام سؤال قد يبدو للبعض طيبا أو ساذجا أكثر من اللازم، وربما يضعنا أيضا أمام مفارقة واضحة: ألم يكن من المفترض أن يقود التقارب تراث الشعوب إلى علاقات أفضل بين البلدان ؟
ترى ما الذي يمكن أن يمثّل إجابة عن هذا السؤال؟ وما الذي يمكن أن يزحزح أو يزيح هذه المفارقة ؟
لعل هذا سؤال آخر يستحق التفكير فيه.