إن فلسفة التجديد والتطوير والرقي والتقدم سنة كونية، نرتضيها كي نستطيع أن نساير التغيرات على كافة الأصعدة، وفي خضم التعليم حينما ننظر لمحور التقويم الخاص بالمناهج التعليمية فإنه يتوجب علينا أن نظهر اهتمامًا بالكشف عن مستويات جوانب التعلم لدى الطلاب بواسطة أدوات متنوعة تستهدف قياس مجالات التعلم المعرفية والمهارية والوجدانية.
وتشكل مجالات التعلم في مستوياتها المشار إليها صورة الخبرة المكتملة لدى طالب المرحلة الثانوية؛ فبواسطتها يمكنه أن يوظف ما يتحصل عليه من معرفة ومهارات وأبعاد للوجدان في مناشط الحياة المختلفة العلمية والتعليمية والمعيشية، ونرصد ملامح هذا الأمر في ميول المتعلم العلمية وحب استطلاعه العلمي واتجاهاته الإيجابية نحو معلمه ومدرسته والمادة المتعلمة وما تتضمنه من أنشطة تشكل لديه الخبرات التعليمية النوعية.
وينبغي أن يساير التقويم وأساليبه المختلفة ما جرى من تطوير بالمرحلة الثانوية في ثيابها الجديدة؛ فعبر أي بيئة تعليمية منضبطة دومًا ما نتساءل بصورة مشروعة عما نريده من المتعلم من معارف وممارسات تشكل شخصيته وتصقل مهاراته وتجعله واثقًا من نفسه قادرًا على العطاء، وهذا يجعلنا نفكر في تعدد أدوات الرصد في ضوء تلون أو تنوع الأهداف التعليمية المرتقب تحقيقها.
وتعدد أدوات القياس لا يعني الوقوف عند حد إصدار الأحكام وفقط؛ لكنه يعين المعلم والمؤسسة التعليمية وولي الأمر على أن يقدم الدعم للطالب وما يلزم من تعزيز حال اجتياز المهمة، وما يتطلب من تغذية راجعة حال الإخفاق؛ فندحر ونتغلب على معوقات اكتساب الخبرات التعليمية بصورة منهجية سليمة، ولا ننتظر حتى الفراغ من تدريس المناهج التعليمية في نهاية العام؛ فالتقويم المعني هنا مرحلي.
وعبر التقويم المرحلي متعدد الأدوات ومتنوع المستويات والمجالات نستطيع أن نحسن ونطور من صور الأنشطة وما تتضمنه من مهام تعليمية تناسب خصائص المتعلم في هذه المرحلة التعليمية المهمة، وفي خضم هذا التنوع نضمن عدالة تحقيق مجالات التعلم الثلاثة التي نصدع جميعًا بأهميتها؛ فلا غني عن معارف مرتبطة بمهارات ذهنية كانت أم أدائية متعلقة جميعها بالوجدان وما يحمله من قيم وأخلاقيات حميدة يتبناها المجتمع وتحميها عقيدته الوسطية المعتدلة.
ولندرك جليًا أن مخاطر الاهتمام بمجال تعليمي على حساب آخر سوف يسهم في تشويه الخبرات التعليمية، ولا يحقق نواتج التعلم المستهدفة في مسارها الصحيح؛ حيث إن التوزان يؤدي إلى واقعية التعليم؛ فيزيد من أدوار المتعلم؛ فمن خلال المعرفة الصحيحة يتشكل الوعي السليم والفكر التقدمي غير المشوب، مما يساعده في أن يمارس ما فقه بحرفية وتميز، ويغرس في وجدانه ما يحثه على بذل مزيد من الجهد تجاه التعلم العميق والمستمر.
وأرى أنه يجب أن تتكامل الرؤى في التطوير من البداية لنضمن نتائج طيبة؛ بمعني أن نقدم للطالب بالمرحلة الثانوية مجموعة الخبرات التي تسهم في اكسابه المعارف والمهارات والوجدانيات بصورة مترابطة، ومن ثم يصمم المعلم مهام الأنشطة التعليمية التي تتضمن ذلك، وهذا يجعلنا نقلل أو نحد من التلقين أو ما يسمى بحقن الأذهان، ونتوجه لفكر جديد يتناسب مع التطوير والمرحلة الجديدة حيث العمل الممنهج في البيئة التعليمية على قدح الأذهان؛ فننطلق إلى ساحة عنان التفكر التي تتناسب مع طبيعة الخبرات التعليمية.
ودعونا لا ننكر اعتمادنا الرئيس على تقويم الجانب المعرفي في مستويات محددة، وأرى أن هذا الأمر لا يتناسب مع صورة التطوير الآنية التي قامت على فكر متجدد، ومن ثم ينبغي أن ننظر إلى التقويم البديل متعدد الأدوات؛ لنستطيع من خلاله الحكم على واقع الخبرة لدى الطالب، ومن ثم نحدد له ما يصلح أن يقوم به من مهام في المستقبل، والرؤى الطموحة في تنمية ملكاته التي قد يتفرد بها؛ ليصل لمرحلة الابتكار.
وفي ضوء خبرتي المتواضعة أستطيع أن أأكد على أن أساليب التقويم البديل متعدد الأدوات بالمرحلة الثانوية سوف تُسهم في تنمية المهارات الاجتماعية لدى الطلاب بصورة مقصودة؛ حيث إن هناك مهارات تشاركية تعتمد على الأداء الجماعي، وهذا التعاون يؤدي بالطالب إلى أن ينمو نموًا تعليميًا صحيحًا.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
_________
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة