حرصت مصر على مدى سنوات على اتباع سياسة تقوم على مواجهة التناقضات ودعم المسارات السياسية، والشراكة والتعاون كطريق للنفوذ، خاصة فى ظل تحديات غير مسبوقة واجهت ولا تزال مصر والمنطقة والعالم، وهى تحديات بعضها كان وجوديا مثل الإرهاب، والبعض الآخر يتعلق بصراعات وحروب فى دول عربية، كما تكررت الحرب على غزة والأراضى الفلسطينية، وبجانب هذا تفرض الحروب والتحديات الدولية هى الأخرى تحديا مختلفا على المستوى الاقتصادى، وتمثل انعكاسا للتحديات الجيوسياسية.
ومن هذه الزوايا، يمكن تفهم الزيارة التى يقوم بها الرئيس عبدالفتاح السيسى للعاصمة التركية أنقرة، استجابة لدعوة الرئيس التركى، أثناء زيارته لمصر فى فبراير الماضى، والتى كانت تتويجا لجهود سياسية ودبلوماسية أنهت مرحلة وفتحت مجالا لمرحلة جديدة من التعاون والشراكة، والتنسيق الثنائى خاصة فى القضايا ذات الاهتمام المشترك، حيث تتشارك كل من القاهرة وأنقرة، فى الاهتمام والتفاعل مع قضايا إقليمية، وتتشابك وتتقاطع مصالح البلدين فى أكثر من نقطة.
لعل الحرب فى غزة، هى أكثر نقاط الاهتمام المشترك الآن، باعتبار أن كلا من مصر وتركيا معنيتان بالقضية الفلسطينية، التى تعتبر قضية مفصلية بالنسبة لمصر تاريخيا وباستمرار وتسعى مصر لوقف الحرب وإنهاء العدوان والدفع نحو حل الدولتين، وهو اهتمام لتركيا من زاوية ارتباطها بالقضية وأيضا السعى لوقف الحرب فى غزة، باعتباره ضرورة، بجانب حرص كل من مصر تركيا على عدم اتساع الحرب إقليميا بما يهدد السلم والأمن الإقليمى والدولى، خاصة مع سعى رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى فتح جبهة بالعدوان على شمال الضفة الغربية بعد فشله حتى الآن فى جر إيران إلى الحرب، بفضل مساعى دول إقليمية حرصت على إفشال مخططات نتنياهو ومجلس حربه، فى إشعال المزيد من الحرائق، فى حرب لم تعد تفيد أى طرف غير نتنياهو وتجار الحرب.
إقليميا هناك تواجد وحرص لدى كل من مصر وتركيا على استقرار ليبيا، وإبعاد التدخلات الخارجية، ودعم المسارات السياسية، وأيضا وقف الحرب الأهلية فى السودان الشقيق وإعادته إلى الاستقرار، ومنع تدهور الأمور بشكل قد يصعب السيطرة عليه، أيضا هناك اتصال واهتمام مشترك بمصالح ومسارات السياسة فى سوريا واليمن والصومال، من مصلحة وطموح البلدين خفض التدخلات ودعم المسارات السياسية فى هذه الدول كمقدمة للتنمية والتعاون.
وبجانب مناقشة الملفات الإقليمية والدولية فإن الزيارة التى يقوم بها الرئيس عبدالفتاح السيسى لتركيا، ولقاءه مع الرئيس رجب طيب أردوغان، تتضمن تنمية العلاقات الثنائية، حيث يحتل ملف الاقتصاد اهتماما مشتركا فى العلاقات بين البلدين ومباحثات الرئيسين السيسى وأرودغان، فيما يتعلق بالاقتصاد، ويترأس السيسى وأردوغان اللجنة الاستراتيجية المشتركة، حيث يوقع الجانبان نحو 20 اتفاقية لتعزيز العلاقات التجارية والتعاون فى مجالات الطاقة والدفاع والصحة والسياحة والثقافة والتعليم، بجانب خطط لتعميق التعاون فى مجال الطاقة المتجددة والغاز الطبيعى، حسب ما ذكرته رويترز.
تعد مصر أكبر شريك تجارى لتركيا فى أفريقيا، فتركيا تعد أكبر الأسواق المستقبلة للصادرات المصرية خلال العام 2023 بقيمة 2 مليار و943 مليون دولار، حيث ظلت العلاقات الاقتصادية بين البلدين مستمرة وقوية، بحسب المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، وتعتبر تركيا بوابة مصر للأسواق الأوروبية، وحققت معدلات التجارة البينية بين مصر وتركيا خلال عام 2022 زيادة غير مسبوقة منذ دخول اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين حيز التنفيذ، حيث بلغ حجم التبادل التجارى عام 2022 نحو 7.1 مليار دولار، وتقدم اتفاقية التجارة الحرة للصادرات الصناعية المصرية حق الوصول الكامل والفورى للسوق التركية الكبيرة، بل أيضا إلى سوق الاتحاد الأوروبى، من خلال دمج الصناعات التركية والمصرية وتمكين المصدرين المصريين من الاستفادة من تجربة تركيا فى الاتحاد الأوروبى، وتسهل اتفاقيات التجارة الحرة بين مصر وأفريقيا مثل الكوميسا الوصول إلى المستثمرين الأتراك، ونقلت بلومبرج عن وكالة الأناضول التركية أن القاهرة وأنقرة تهدفان لرفع مستوى التجارة الثنائية بينهما من 10 مليارات إلى 15 مليار دولار.
ويستهدف الطرفان خلال السنوات الخمس القادمة، مضاعفة حجم التجارة الثنائية، مع بحث إمكانية استخدام العملات المحلية فى التجارة الثنائية فى الفترة المقبلة لخفض الطلب على الدولار، حيث يواجه الاقتصادان المصرى والتركى نفس التحديات، ويمكن أن يتسع التعاون إلى مجالات مختلفة بجانب الصناعة والتجارة، وعلى رأسها السياحة، التى تشغل اهتمام البلدين ويمكن تبادل الخبرات والمصالح فى هذا المجال الحيوى.
ولكل هذا، فقد اعتبرت الصحف والمنظمات الدولية الاقتصادية أن زيارة الرئيس السيسى إلى تركيا ولقاءاته مع الرئيس أردوغان، تحول كبير فى العلاقات الثنائية، وأيضا فى مسارات التنسيق السياسى والاقتصادى، وأشارت «بلومبرج» إلى انتقاد كل من مصر وتركيا بشدة العدوان الإسرائيلى على غزة، وحرصهما على وقف الحرب، ومن هنا تتخذ الزيارة التى يقوم بها الرئيس السيسى تطورا وتحولا يضاعف من قدرة البلدين على التنسيق والتعاون والشراكة.
اليوم السابع