انتشر في الأيام الماضية على وسائل التواصل الاجتماعي مقطع مصور لشيخ معمم يقوم بتقديم الفتاوى والاستشارات الدينية التي يتلقى أسئلتها على التليفون على الهواء في قناة تليفزيونية، وكانت المتصلة سيدة تسأل عن أن ابنتها تربي قطة في المنزل، وأنها تريد أن تقوم بإجراء عملية تعقيم لهذه القطة، وهو إجراء يقوم به البعض لأسباب منها الاقتناع بأنه صحي أكثر للقطة، أو منعا للانزعاج الناتج عن طلب القطة المتكرر للزواج، أو تحاشيا للنفقات الكبيرة عندما تلد القطة ولا يستطيع المربي توزيع أبنائها فتمتلئ البيوت بها.
فوجئ المشاهدون بأن الشيخ يسأل عن الابنة، ويطلب من الأم أن تأتيه بها على التليفون، وما إن أتت الفتاة حتى بادرها بالسؤال عن معرفتها بمعاناة الفقراء واحتياجهم، ومعاناة اللاجئين وأهل غزة، وكيف أنهم أولى بالإنفاق من الحيوانات، وحين ردت عليه الابنة، ويبدو أنها في مقتبل عمرها، أن القطة أيضا روح، وأنها سوف تموت لو تركناها في الشارع، كان رده: وهو انت جايباها منين؟ فردت من بيت.. بما يعني أنها ليست قطة شوارع، فما كان منه إلا أن قرأ عليها الحديث النبوي الشريف الذي منه: "دَخَلَتِ امرأةٌ النارَ في هِرَّةٍ حَبَسَتْها، فلا هي أَطْعَمَتْها، ولا هي تَرَكَتْها تأكلُ من خَشَاشِ الأرضِ" مؤكدا أن معنى الحديث يشير إلى أن الأصل بالنسبة إلى القطط أنها توجد في الشارع، وأن الاستثناء هو أن نربيها في البيت، وكلما ردت الفتاة بأنها سوف تموت قاطعها مؤكدا المعنى ذاته.
وفي الحقيقة فإن لغة الحديث وترتيبه كما هو واضح في نصه تشير إلى عكس كلامه، فإذا كان نص الحديث يقول: حبستها، فلا هي أطعمتها، ولا هي تركتها.. تعني أن الأصل المذكور أولا هو أن تطعمها وأن الاستثناء هو المذكور ثانيا، كما أن الأمر في الحديث مرهون بواقعة الحبس أصلا، بما يعني تحريمه.
الخلاصة إذن أن الشيخ مقدم البرنامج قد وقع في عدة أخطاء، أهمها التفسير القاصر جدا للحديث واستنباط حكم منه على غير مقصده، في توجيه واضح للنص لكي يتوافق مع وجهة نظره، وثانيها أنه فرض هذا الحكم على الفتاة التي تحدثت معه، بل إنه قمعها ومنعها من الرد أكثر من مرة، وأغلق معها النقاش بطريقة جافة بما يوحي أنها يراها شابة طائشة لا تعرف مصلحتها، وثالث الأخطاء أنه منذ البداية لم يفهم السؤال الذي كان عن عملية تعقيم، حيث كرر أكثر من مرة أنه لا يجوز أن ننفق على القطة كي نطعمها لتحمل.
هذا المقطع دل بصورة واضحة على احتياج مثل هذا الشيخ ممن يتصدون للفتوى إلى الكثير من عمليات التثقيف عموما، والتأهيل الثقافي خصوصا لفهم تطورات ومتطلبات المجتمع، وخاصة فيما يتعلق بالشباب وأسئلتهم، كما أنه يجب أن يكون على صورة أكثر قدرة على التواصل الفعال المتفاعل المتخلي عن ادعاء امتلاك حقيقة واحدة، بالإضافة إلى وجوب مراجعة النصوص وسياقها ومعانيها قبل أن يتصدى للحكم بها، حتى لا يقع في خطأ التفسير بالهوى الذي وقع فيه بوضوح في هذا الحوار.
لن نتحدث عن القطط – والحيوانات عموما - وكيف أن تربيتها هي أمر إيجابي ومحمود، بل إن فوائد تربيتها تجعلها من الأمور المقدمة على عكسها كما في الحديث، فلهذا مجال آخر، لكن الأهم هنا هو الإشارة إلى أن هذه المنظومة عليها أن تطور نفسها وتعالج نواقصها وتساير كل تطور حتى لا تقع في هوة الهوى أو الخطأ، فالأزمة ثقافية وتحتاج إلى تضافر الكثير من الجهود.