حسين عبدالبصير

"المسحورة" سحر سيوة وجمال التاريخ

الجمعة، 06 سبتمبر 2024 01:30 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

تعد رواية "المسحورة"، أحدث أعمال الروائية المصرية المبدعة الدكتورة رشا سمير، إضافة جديدة إلى مسيرتها الأدبية الحافلة؛ إذ أظهرت تميزها في تناول موضوعات تاريخية وثقافية من خلال سرد مشوق وممتع. وصلت الرواية، التي صدرت عن الدار المصرية اللبنانية العريقة، إلى طبعتها الثالثة بعد شهرين فقط من إطلاقها، ما يعكس نجاحها الكبير وتفاعل القراء مع مضمونها.

تتسم "المسحورة" بجرأتها في تناول حضارة الأمازيغ الممتدة من المغرب إلى واحة سيوة، وهو موضوع قد لا يكون مألوفًا لدى الكثيرين من القراء العرب. تقدم الكاتبة لنا عالمًا غنيًا بالتفاصيل التاريخية والثقافية، مستخدمة أسلوبًا أدبيًا يمزج بين الخيال والواقع، لتستعرض من خلاله تقاليد وعادات الأمازيغ التي تعود لآلاف السنين. عبر صفحات الرواية التي تبلغ 460 صفحة، نجد أنفسنا غارقين في عالم الأمازيغ، نعيش تفاصيل حياتهم، ونشهد صراعاتهم، ونستمتع بأسرارهم وأساطيرهم التي تتناقلها الأجيال.

تمتاز الرواية ببناء متقن للشخصيات، حيث تمكنت الكاتبة من جعل أبطالها يخرجون من قوالبهم الورقية ليصبحوا كيانات حية نابضة بالمشاعر والصراعات الداخلية. تنتقل الأسرة من أدرار مبريق إلى أدرار أملال، لتبدأ حياة جديدة في واحة سيوة. وهنا يظهر عمق الشخصيات وتفاعلها مع البيئة الجديدة. تستطيع الدكتورة رشا سمير ببراعة أن تنقل القارئ من بيئة إلى أخرى، مع الحفاظ على ترابط الأحداث وسلاسة السرد.

يعد هذا التفاعل الحي بين الشخصيات وبيئتهم الجديدة نقطة قوة في الرواية؛ إذ يشعر القارئ بأنه يتابع مغامرة حقيقية، يتجول فيها بين التاريخ والجغرافيا، يتعرف من خلالها على تقاليد وأعراف تختلف عما هو مألوف لديه. وفي هذا الإطار، تبرز الرواية كعمل روائي يجمع بين العشق والغموض والمغامرة، مما يجعلها جذابة لجمهور واسع من القراء.

من خلال رواية "المسحورة" الساحرة، تسلط د. رشا سمير الضوء على أهمية الثقافات والحضارات المنسية التي لا تحظى بالاهتمام الكافي في الأدب المعاصر. لا تقتصر الرواية على تقديم قصص الحب والمغامرة فحسب، بل تتعمق في تاريخ الأمازيغ، مقدمة صورة شاملة لعاداتهم وتقاليدهم التي لم تصل إليها يد التحريف أو الإهمال.

يعطي هذا النهج الأدبي في تناول مثل هذه الموضوعات الرواية قيمة إضافية؛ إذ لا يمكن اعتبارها مجرد قصة ترفيهية، بل هي بمثابة وثيقة ثقافية تعيد إحياء جزء مهم من التراث الإنساني الذي قد يغفل عنه الكثيرون. لقد نجحت الكاتبة في تقديم أعمال روائية تتجاوز حدود القصص التقليدية، لتصبح منبرًا لعرض الثقافات والتاريخ المنسي.

لقد تكامل مضمون الرواية مع غلافها الذي صممته نجلة الروائية، د. فرح هشام، وجاء تعبيرًا صادقًا عن محتوى الرواية الغني بالرموز والمعاني. يعكس هذا التكامل بين النص والتصميم رؤية شاملة للعمل الأدبي؛ إذ لا ينفصل الشكل عن المضمون. وتعكس دور العمل الأدبي في تعزيز العلاقات الثقافية بين الدول والثقافات والحضارات.

تعد تجربة د. رشا سمير مع أبناء سيوة تجربة شخصية غنية، والتي ألهمتها لكتابة "المسحورة". يظهر هذا الجانب الإنساني في العمل الأدبي جليًا في الرواية؛ إذ تتحول الأحداث من مجرد سرد إلى علاقة إنسانية حقيقية، تربط الكاتبة بمكان الأحداث وأبطاله. لقد فتحت الكاتبة باب سيوة في الرواية المصرية من أوسع أبوابه، بعد رواية "واحة الغروب" الرائدة للكاتب الكبير بهاء طاهر، وأبرزت أهمية العلاقات الإنسانية في بناء عمل أدبي متكامل.

تعد رواية "المسحورة" علامة فارقة في مسيرة د. رشا سمير الأدبية؛ إذ جمعت بين التراث والحداثة، وبين التاريخ والخيال. إن هذه الرواية ليست مجرد حكاية تُروى، بل هي رحلة ثقافية تمتد عبر الزمن، تأخذ القارئ في مغامرة لا تنتهي بين صفحاتها. ويعكس نجاح الرواية في الوصول إلى طبعتها الثالثة خلال شهرين فقط قدرة الكاتبة على جذب جمهور واسع ومتنوع، مما يجعل "المسحورة" عملاً يستحق الدراسة والتقدير.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة