تحول كبير تمثله زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى لتركيا، ولقاؤه ومباحثاته مع الرئيس أردوغان، وفتح لمرحلة جديدة ومهمة فى العلاقات بين البلدين، تمثل نجاحا للسياسة المصرية على مدى سنوات، والتى حرص فيها الرئيس عبدالفتاح السيسى على فتح قنوات وآفاق التعاون والشراكة ومعالجة العلاقات بصبر وتركيز، وهو ما أثمر الزيارة التى قام بها الرئيس عبدالفتاح السيسى، ردا على زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان لمصر فى فبراير الماضى.
تعكس مذكرات التفاهم، والتى تم توقيعها بين الجانبين المصرى والتركى، حجم النقلة النوعية فى العلاقات بين البلدين، والتوافق فى الآراء، والتحركات لمواجهة التحديات التى تعيشها المنطقة، والأزمات والتى تفرض حسب كلمة الرئيس السيسى فى المؤتمر الصحفى مع أردوغان «أهمية التنسيق والتعاون الوثيق بين مصر وتركيا».
ومن أهم نتائج هذه الزيارة، تشكيل مواقف موحدة تجاه الحرب التى يشنها الاحتلال الإسرائيلى على غزة، بجانب ملف التعاون الثنائى فى الاقتصاد والتجارة، والذى يصب فى مصالح البلدين ويمثل تطورا نوعيا تجاه فتح أسواق لكل من مصر وتركيا، ومواجهة تأثيرات التحولات العالمية والإقليمية على البلدين فى مجالات متنوعة، وتظهر هذه النتائج بأشكال وطرق مختلفة، حيث تدعم هذه التوافقات مواقف أقوى، وتنسيقا يعكس تحولا استراتيجيا.
ناقش الرئيسان، السيسى وأردوغان سبل التنسيق والعمل معا، للمساهمة فى التصدى للأزمات الإقليمية، وعلى رأسها معالجة المأساة الإنسانية، التى يتعرض لها الفلسطينيون فى غزة، حيث أكد الرئيس السيسى «وحدة موقفىّ مصر وتركيا، حيال المطالبة بالوقف الفورى لإطلاق النار، ورفض التصعيد الإسرائيلى فى الضفة الغربية، والدعوة للبدء فى مسار يحقق تطلعات الشعب الفلسطينى، فى إقامة دولته المستقلة، على حدود الرابع من يونيو عام 1967، وعاصمتها «القدس الشرقية»، وفقا لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، فضلا عن تعاوننا مصر وتركيا المستمر لإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة، على الرغم من المعوقات التى تفرضها إسرائيل.
إقليميا، فإن التنسيق والتناغم فى المواقف المصرية والتركية، يسهم فى امتصاص التوترات، باتجاه وقف الحرب على غزة وأيضا منع اتساع الصراع، وذلك من خلال ما تملكه كل من مصر وتركيا من علاقات إقليمية ودولية، ومفاتيح النفوذ فى المنطقة، خاصة أن التوافق بين القاهرة وأنقرة من شأنه أن يسهم فى معالجة الصراعات البينية والداخلية التى تشتعل فى بعض الدول، وهناك بالفعل تغيير بالسياسات التركية والعلاقات مع سوريا يمكن أن تسهم فى دعم المسار السياسى وخفض الصراعات التى كلفت سوريا الكثير، خاصة بعد انحسار الإرهاب، ويمكن لكل من مصر وتركيا لعب دور إيجابى فى إنهاء مرحلة والبدء فى مرحلة بسوريا باتجاه المسارات السياسية، وإغلاق مرحلة صعبة، وهو ما بدأ يظهر فى تقارب تركى سورى رسمى يدعم مرحلة سلام وإعادة بناء سوريا.
ثم إن التوافق المصرى التركى يصب فى دعم المسار السياسى فى ليبيا، وقد رفعت مصر من البداية شعارا يتعلق بضرورة إبعاد التدخلات الخارجية فى ليبيا ومن قبلها سوريا، بل وكل الدول التى تواجه صراعات داخلية، هى فى الواقع انعكاس لتدخلات خارجية تدفع نحو إذكاء الصراع الأهلى، وتعلى من المصالح الضيقة، ومن هنا يمكن توقع أن يدعم التوافق المصرى التركى استقرار ليبيا، الحدود الغربية لمصر، بجانب أن الاستقرار فى ليبيا ينعكس إيجابا على مصر سياسيا واقتصاديا بما يرتبه من فتح آفاق تبادل تجارى واستثمارات وتنمية وتبادل خبرات.
وقد أكد البيان المصرى التركى، أهمية دعم سيادة واستقرار العراق، ودعمهما لجهوده نحو التنمية وإعادة الإعمار، ودعمهما لعملية سياسية بقيادة ليبية، وبتسهيل من قبل الأمم المتحدة بهدف الحفاظ على أمن واستقرار وسيادة ليبيا وسلامتها الإقليمية ووحدتها السياسية.
كما اتفق السيسى وأردوغان أيضا على أهمية ضمان السلم والأمن والاستقرار فى القرن الأفريقى، والحفاظ على علاقات حسن الجوار والصداقة، فضلا عن الاحترام المتبادل للسيادة والسلامة الإقليمية لكل دولة، وأعربا فى البيان المشترك عن أسفهما وقلقهما إزاء الصراع فى السودان، ويرحبان بالمبادرات الخاصة بحل الأزمة سلميا، ويدعمان الجهود الدبلوماسية المشتركة فى هذا السياق.
وتعكس الزيارة والمذكرات التى تم توقيعها،عن طموح مشترك بين مصر وتركيا، فى تطوير العلاقات والتعاون لمواجهة التحديات، وبناء تحرك مشترك يمكنه من تشكيل توافق يغير سياقات ومسارات إقليمية، مع تطوير نوعى فى الملف الاقتصادى، يعود على مصالح البلدين.
مقال أكرم القصاص