كثيرا ما نشعر بإحباط شديد أمام سياسة الدول الكبار إزاء القصايا الفارقة في عالمنا المعاصر، فالسياسة لعبة خطيرة في أيدي ساسة العالم، المتمرس عليها، والذين يديرون حركة التاريخ، كيفا يتراء لهم، ويحقق مصالحهم دون النظر إلى مصالح غيرهم، وإذا كانت السياسة لا أخلاق لها، إنما مبدأها الوحيد هي المصلحة، فمن مصلحتها أن يسود الأمن والأمان بقاع الأرض دون افتعالات ولا مناورات، تعمل في الأغلب الأعم على القلق والتوتر، وأن يدها القوية، يجب أن تتعامل مع الأزمات الدولية بحنكة كبيرة، لتفاديها، فلم يعد أمر سياسة الدول في يديها كلية، إنما هي تتنازل عن البعض لأن العالم الأن متشابك المصالح، ولا مفر من مراعاة ما يدور في أصغر دولة في العالم فقد تكون هي البذرة التي على يديها يتسمم عالمنا، فهل يخط الزعماء بعقولهم وأيديهم أحداث مجرى التاريخ، ماذا لو لم يكن بوتين رئيس روسيا، هل كانت الحرب التي شنها على أوكرانيا آخذة في الحدوث؟ هل كان العالم سيتغير مجرى تاريخه ومستقبله؟ إن اقتصاد العالم الذي هوى كثيرا، بسبب الحرب، وبسبب الكراهية والعداوة الشديدة بين القطبين الكبيرين، روسيا وأمريكا، المناوشات والصراع الخفي وأثره الظاهر، بين القوتين المتغطرستين، وكل في مكانه، الخوف من حرب تدمر عالمنا، وتفتك به، وتجعله مترقب على شفى جرف هار ..ما يحدث في غزة والحرب الطاحنة لهؤلاء العزل، حركة الإغتيالات لكبار قوادها، اللعنات التي تطال الزعماء، التأهب لوقوع حرب تتسع دائرتها، نتسآل لو لم يكن نيتنياهو الزعيم الأخرق على رأس حكومة متجبرة طاغية، هل العالم في غياب هؤلاء يكون أفضل أم إنهم صورة لشعوب تبث في روح زعمائها.
وتنفخ بوق الحرب في أجوافهم، فتمتلأ حنقا حقدا، وتبطش بطش الجبارين، إننا أمام هؤلاء حيارى، درس من الدروس القاسية التي تتتعلمها الشعوب قبل أن تختار، إنها لا تختار زعيم يقود الأمة، لما تصلح له فقط، إنما قد يكون اختيارها غير موفق، فهي تختار من يهوي بها ويشدها إلى حضيض، وقد يمتد منها إلى أمم أخرى، لا ذنب لها في حرب أو غيرها، فالعالم الآن يحتاج إلى زعماء مسئولين، يعرفون معنى الزعامة الحقيقة، زعامة تمتلأ بصيرة، هي أن تقود شعوبها إلى الخروج من الأزمات إلى ما يصلحها، فيبتعد عن الخراب الذي تجنيه اختيارات خاطئة، فوجب على الأمة أولا أن يكون اختيارها، لمن يعزز روح السلام، لمن ينبذ الحرب والعدوان، وأن تكون الحرب هي الخيار المكروه المستبعد، الذي لا يلجأ إليه، ففي عالمنا الذي نعيش فيه ليست الحرب أمرا سهلا، تقتصر فيه أضرارها على القوتين المتقاتلتين، إنما يدفع ثمنها الجميع، فالعالم متشابك بحيث يصعب الإنفصال عن الركب السائر، فهي الأن كما يقول الحديث النبوي، إذا أشتكى منه عضو تدعى له الجسد بالسهر والحمى، حمى لا تترك جانب من جوانبه حتى تتطاله، وتؤرق مضجعه، فيجب أن تختفي الحروب، فالمنتصر والمهزوم ومن ليس له يد، الكل خاسر في عالمنا، فلو استطاعت الأمم أن تنتقي زعماء، يرتفعون بأفكارهم ونفوسهم، إلى تدعيم روح الإنسانية واحترام الإنسان في كل بقعة من بقاع العالم، أن يكون له عينين، عين تنظر إلى الداخل، وأخرى إلى العالم من حوله، فلا تطغى عين على الأخرى، فتنظر إلى المصالح المتعلقة بها، دون أن تنظر إلى الأضرار، التي تلحق بالآخرين.
إن بعض الزعماء يذكرك بتاجر السلاح والمخدرات الذين لا يعنيهم، إلا تحقيق الربح لذواتهم، وإن كان فيه خراب لنفوس الآخرين، من بني الإنسان، إننا لا نحتاج إلى هؤلاء الزعماء الذين يبنون مجد أوطانهم إن كانوا يسمونه مجدا، على أجساد الأخرين من أبناء الأوطان الأخرى، إننا نريد بناء إنساني يساهم في حضارة الإنسان بأمة بجوار أمة، بشعب لا بفرد، فليس بالإمكان الأن أن تكون الحضارة لشعب دون أخر أو لأمة دون أخرى، إنما هي حضارة الشعوب كافة الإنسان حيث كان ففي الغرب الآف من الشرق، الذين ساهموا في الحضارة القائمة، لأن الحضارة هي نتاج تلاقح العقول المختلفة، من الشرق والغرب والجنوب والشمال، والإنسان حيث كان، إنه غرس يشترك فيه الجميع، فيجب أن يكون الحصاد للجميع أيضا، ينعم به بني الإنسان. في مشارق الأرض ومغاربها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة