وسط مدينة العريش في قلبها القديم بمساكنه وشوارعه التقليدية، علي ساحل شمال سيناء، تنبض الحياة فى سوق الخميس الأسبوعي بلا توقف كأحد أقدم وأهم الأسواق في المنطقة، حيث يجتمع التاريخ والتراث ويجدد اليوميات الاقتصادية والاجتماعية للسكان، يُشكِّل السوق ملتقى للتجار والمشترين من جميع أنحاء المحافظة، ويعرض فيه الباعة بضائعهم المتنوعة التي تجمع بين المنتجات التقليدية و الحديثة، مما يجعله وجهة اقتصادية وسياحية بارزة ومعلماً ثقافياً يُجسد روح المكان وأصالته.
هذا السوق ليس مجرد مكان للتجارة، بل هو شاهد حي على تاريخ ممتد لقرون، يحمل في طياته قصص الأجيال التي حافظت عليه جيلاً بعد جيل. ومنذ نشأته بجوار قلعة العريش التاريخية التي بناها السلطان سليمان القانوني، استمر السوق في أداء دوره كمركز للتبادل التجاري والثقافي، ليصبح جزءاً لا يتجزأ من هوية المدينة وحياة سكانها اليومية.
سوق الخميس قبل سنوات
يرجع تاريخ سوق الخميس إلى مئات السنين، حيث ورد ذكره في كتاب "تاريخ سيناء" للمؤرخ نعوم شقير. أشار الكتاب إلى أن السوق كان يقع بجوار قلعة العريش، التي بناها السلطان سليمان القانوني عام 1560م. في ذلك الوقت، كان السوق يُعرف باسم "السوق الفوقاني"، نسبةً إلى موقعه المرتفع، وكان يُقام على مدار الأسبوع، حيث شهد حركة تجارية مزدهرة.
في بداياته، كان السوق مركزًا حيويًا للتجارة في المنطقة، يضم نحو 70 محلًا تعرض مجموعة واسعة من البضائع مثل الأقمشة، والحبوب، والزيت، والصابون، والفواكه، والخضروات. كما كان السوق محطة لتبادل البضائع بين التجار القادمين من وادي النيل، والشام، وفلسطين، والجزيرة العربية.
مع تطور المدينة وظهور أسواق جديدة، تحول سوق الخميس إلى تجمع أسبوعي. رغم ذلك، ظل محتفظًا بأهميته كمكان يجمع السكان من مختلف المناطق. اختير يوم الخميس ليكون موعد السوق، حيث يُمثل نهاية الأسبوع بالنسبة لسكان المنطقة، ما يُتيح لهم فرصة للتسوق والاستعداد لبقية الأيام.
يمتاز سوق الخميس بتنوع منتجاته التي تشمل المواد الغذائية، والمحاصيل الزراعية، والمنتجات الحرفية. يُعد السوق مركزًا لعرض الحرف اليدوية التقليدية، مثل الأكلمة السيناوية، والأثواب المطرزة، والأدوات المصنوعة يدويًا من الخشب والمعادن.
كما يُوفر السوق منتجات زراعية طازجة تُجلب من مزارع شمال سيناء، مثل الزيتون، والفواكه، والخضروات. ويحرص السكان على شراء هذه المنتجات التي تتميز بجودتها وأسعارها المناسبة مقارنة بالأسواق الأخرى.
حتى يومنا هذا، لا يزال سوق الخميس نابضًا بالحياة. ينعقد في موعده كما كان في الماضي، ويتوافد إليه التجار من مختلف المحافظات لعرض بضائعهم. تجد فيه سلعًا تعيد الزائر إلى الماضي، مثل الإكسسوارات والملابس المطرزة التي تبيعها السيدات، وباعة الربابكيا القديمة، وباعة الأعشاب الطبية.
كما يضم السوق مكانًا مخصصًا لبيع الأغنام، والأبقار، والجمال المعدة للذبح. إضافةً إلى ذلك، يتواجد تجار متخصصون في بيع منتجات الحليب، والأجبان، وأعلاف الحيوانات.
يُعتبر سوق الخميس وجهة مفضلة لسكان العريش والقرى المحيطة. يقدم السوق بضائع بأسعار أقل من الأسواق الأخرى، ما يجعله خيارًا اقتصاديًا للأسر. يتوافد سكان القري في مجموعات لشراء احتياجاتهم الأسبوعية من السوق، الذي يُمثل أيضًا فرصة لتبادل الأخبار والتواصل الاجتماعي.
لا يُعد سوق الخميس مجرد مكان للتجارة، بل يُعتبر أيضًا مركزًا اجتماعيًا وثقافيًا. يتجمع فيه السكان من مختلف الأعمار والفئات لتبادل الأخبار والحديث عن قضاياهم اليومية. ويُعد السوق مكانًا للتجار لعرض منتجاتهم، وللمستهلكين للحصول على أفضل العروض.
يُسهم السوق في دعم الاقتصاد المحلي من خلال توفير فرص عمل للبائعين والتجار. كما يُعد نافذة لتسويق المنتجات المحلية، مثل الحرف اليدوية والمحاصيل الزراعية، ما يُسهم في تعزيز هوية المنطقة الاقتصادية.
في السنوات الأخيرة، اقترحت محافظة شمال سيناء خطة لنقل سوق الخميس إلى موقع جديد ضمن مشروع يهدف إلى تطوير المنطقة المحيطة بقلعة العريش وتحويلها إلى منطقة سياحية. تضمنت الخطة ترميم القلعة والحفاظ على السوق كجزء من التراث السيناوي، ورغم أهمية المشروع، إلا أنه أثار جدلًا بين السكان والتجار، الذين يخشون أن يؤدي نقل السوق إلى فقدانه لهويته التاريخية.
إحدى السمات المميزة لسوق الخميس هي الاعتماد على القانون العرفي في حل النزاعات بين التجار. يلجأ المتعاملون إلى جلسات القضاء العرفي لحل المشكلات واستعادة الحقوق.
يمتاز سوق الخميس بتصميمه المفتوح الذي يسمح بحركة مريحة للزوار والبائعين. تنتشر الأكشاك في ترتيب عشوائي يُبرز الطابع التقليدي للسوق الشعبي. وتُضفي الحواري القديمة المحيطة به أجواءً تراثية، ،الأجواء داخل السوق مليئة بالحيوية، حيث تمتزج أصوات الباعة بمناداة الزبائن مع أصوات المفاوضات حول الأسعار. هذه الأجواء تُضفي طابعًا فريدًا يجعله مكانًا لا يُنسى.
يشكل سوق الخميس رمزًا للتراث السيناوي وتاريخ المنطقة. يعكس هذا السوق روح التعاون والتواصل بين سكان العريش، ويُوفر لهم فرصة للاندماج الاجتماعي والتجاري في آن واحد.
يختتم سوق الخميس بالعريش أسبوعه وهو يحتفظ بمكانته كواحد من أبرز المعالم الاقتصادية والاجتماعية في شمال سيناء. لا يقتصر دوره على كونه مركزاً للتجارة، بل يتجاوز ذلك ليكون نافذة على تراث المنطقة وأصالتها. يستمر السوق في جذب الزوار من مختلف المناطق، محافظاً على رونقه التقليدي وجاذبيته، وسط طموحات بتطويره ليصبح منطقة سياحية متكاملة تعكس عبق التاريخ وتلبي متطلبات العصر، ليبقى شاهداً حياً على تراث سيناء العريق ووجهتها المستقبلية الواعدة.
اشياء تباع في السوق
العريش قديما
بقايا قلعة العريش بجوار سوق الخميس
تتوراثه الاجيال
صوره قديمه لسيدات بدويات في سوق الخميس
مشاهد من سوق الخميس
مشهد قديم لزوار اجانب لسوق الخميس
من مشاهد السوق قديما