حروب كبري تنتظر الرصاصة الأخيرة، وآخري تترقب الشرارة الأولي لتشتعل.. هذا ما ينتظره العالم في عام 2025 والسبب: ولاية جديدة للرئيس دونالد ترامب.. فبخلاف وعوده بإنهاء حروب الشرق الأوسط والحرب الأوكرانية ـ وهي صادقة ـ لم تخلو تصريحاته منذ فوزه في انتخابات نوفمبر الماضي من تهديدات بإشعال حروب آخري ـ وهي جادة ـ قوامها الجمارك وميادينها الاقتصاد ، وربما تتطلب في لحظات ما إيفاد قوات أمريكية إلى خارج الحدود.
يرفع الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب شعارات يبدو أنه يخطط لتنفيذها بالمعنى الحرفي، فما بين "أمريكا أولا" و"لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى" التي اتخذها شعارا لحملاته الانتخابية الثلاثة في 2016 حين فاز بولايته الأولى على المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون وفي 2020 التي خسرها امام جو بايدن وأخيرا في 2024 التي حقق بها فوز حاسم على كامالا هاريس، طرح في اكثر من مناسبة فكرة الاستحواذ على جرينلاند والسيطرة على قناة بنما وضم كندا وربما غزو المكسيك.
وفي كل حالة، يمزج ترامب بين التصيد والتفاوض والترهيب وفي بعض الأحيان السخرية، وهو أمر أشارت إليه وكالة اسوشيتد برس باعتباره كتاب السياسة الخارجية لترامب، فدائما ما يقول أشياء صادمة وغير متوقعة لكن الوقت الوحيد القادر على كشف ما اذا كان سيتصرف بناءً عليها أم هي نوع من أنواع السياسة التفاوضية.
وترامب على عكس بايدن المنتهية ولايته الذي يقدس التحالفات والمؤسسات الدولية، لا يعطي النظام العالمي الأهمية نفسها، فبعقلية رجل الاعمال دائما ما يضع المصالح الامريكية أولا حتى اذا اضطره الامر للخروج قليلا عن السياق.
وفي عيد الميلاد، احتفل ترامب على طريقته الخاصة برسائل عبر منشورات متتالية على موقع التواصل الاجتماعي تروث سوشيال، من خلالها استهداف ترامب كندا وجرينلاند وقناة بنما، والتي اقترحت أن الولايات المتحدة يمكن أن تسيطر على هذه المناطق الثلاث
في بداية المنشورات الطويلة، كتب ترامب: " عيد ميلاد سعيد للجميع، بما في ذلك الجنود الرائعين من الصين، الذين يعملون بحب، ولكن بشكل غير قانوني، في قناة بنما"، كما أشار إلى الأرواح الأمريكية التي فقدت أثناء بناء القناة منذ أكثر من 100 عام، وأضاف أن الولايات المتحدة تضع مليارات الدولارات في أموال الإصلاح.
ثم سخر ترامب من رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، الذي أشار إليه باسم "الحاكم"، واقترح مرة أخرى أن الولايات المتحدة يمكن أن تضم كندا كولاية رقم 51، وكتب: "إذا أصبحت كندا الولاية رقم 51، فإن ضرائبها ستنخفض بنسبة تزيد عن 60%، وسوف تتضاعف أعمالها على الفور، وسوف تحظى بالحماية العسكرية مثل أي دولة أخرى في العالم".
واستمر ترامب في منشوره مخاطبًا "شعب جرينلاند" وقال: " شعب جرينلاند الذي تحتاجه هو الولايات المتحدة لأغراض الأمن القومي، والذي يريد أن تكون الولايات المتحدة هناك، وسوف نفعل ذلك!"
ترامب وترودو والولاية الـ 51
وبدأ الجدل حول ضم كندا إلى الولايات المتحدة خلال زيارة رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو للرئيس المنتخب في منتجعه مارالاجو، حينما أطلق ترامب نكتة قديمة حول ضم كندا لتصبح الولاية الأمريكية رقم 51، واقترح على ترودو أن تصبح كندا ولاية أمريكية، إذا كان يرى أن فرض رسوم جمركية على منتجاتها بسبب فشلها بمعالجة قضايا التجارة والهجرة، سيدمر اقتصاد أوتاوا في إطار تهديده بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على كندا والمكسيك تحديداً بسبب فشلهما في كبح تدفق المهاجرين غير الشرعيين والمخدرات إلى الولايات المتحدة.
وقال ترامب لترودو إن كندا فشلت في التعامل مع الحدود الأمريكية بسماحها بعبور كميات كبيرة من المخدرات والمهاجرين غير الشرعيين القادمين من أكثر من 70 دولة، وازداد حماسه، عندما تناول العجز التجاري مع كندا، والذي قدره بأكثر من 100 مليار دولار، وقال ترودو لترامب: "لا يمكن فرض رسوم جمركية لأنها ستدمر الاقتصاد الكندي تماماً"، ليرد ترامب متسائلاً: "إذاً بلدكم لا يمكنها البقاء إلا إذا كانت تستغل الولايات المتحدة بمقدار 100 مليار دولار"، ثم اقترح أن تصبح كندا الولاية الـ51، ما دفع ترودو وآخرين إلى الضحك بقلق.
وأثار لقاء ترامب وترودو موجة من التوتر في كندا، حاولت حكومة ترودو احتوائها، ففور عودة المسئولين الى اوتاوا تعرضوا لسيل من الأسئلة من الصحفيين حول فكرة ضم ترامب للبلاد، بما في ذلك وزير الأمن العام دومينيك لوبلانك، الذي كان في عشاء مارالاجو.
وقال لوبلانك: "في أمسية اجتماعية استمرت ثلاث ساعات في مقر إقامة الرئيس في فلوريدا في عطلة نهاية أسبوع طويلة من عيد الشكر الأمريكي، كان من المفترض أن تكون المحادثة خفيفة الظل. كان يروي النكات. كان الرئيس المنتخب يمازحنا".
وكانت رسالة لوبلانك: اهدأوا يا رفاق، وقال: "لم يكن اجتماعا في غرفة اجتماعات مع عشرة بيروقراطيين يدونون الملاحظات. لقد كان أمسية اجتماعية، وكانت هناك لحظات مسلية ومضحكة، وكانت هناك لحظات تمكنا فيها من القيام، كما نعتقد، ببعض الأعمال الجيدة لكندا".
وبعد هدوء الأمر، أعاد ترامب اشعال الجدل بمنشور اخر على تروث سوشيال تساءل خلاله عن سبب قيام الولايات المتحدة بتزويد جارتها الشمالية كندا بالإعانات، واقترح أن تصبح الولاية رقم 51.
وكتب ترامب على موقع تروث سوشيال: "لا أحد يستطيع الإجابة عن سبب دعمنا لكندا بما يزيد عن 100 مليون دولار سنويًا؟ لا معنى لذلك! .. يريد العديد من الكنديين أن تصبح كندا الولاية رقم 51"، وأضاف: "سيوفرون الكثير من الضرائب والحماية العسكرية. أعتقد أنها فكرة رائعة .. الولاية رقم 51!!!".
ثم أثار الجدل مرة أخري بصورة غامضة بالذكاء الاصطناعي تظهره واقفا على قمة جبل إلى جوار علم كندا، واكتفى بتعليق "أوه كندا"، مع العلم أن الجبل في الصورة ينتمي سلاسل جبال الألب في أوروبا، ولا يمت بأي صلة لكندا.
قناة بنما "الامريكية"
وهدد ترامب بإعادة تأكيد سيطرة الولايات المتحدة على قناة بنما. وتحدث عن الأمر خلال مؤتمر للمحافظين وفي منشور على موقعه للتواصل الاجتماعي تروث سوشيال، وحذر بأنه لن يسمح للقناة بالوقوع في "الأيدي الخطأ"، فيما بدا وكأنه يحذر من التأثير الصيني المحتمل على الممر المائي الهام.
وقال ترامب إن قناة بنما تعتبر من الأصول الوطنية الحيوية للولايات المتحدة، بسبب دورها الحاسم في الاقتصاد الامريكي والأمن القومي. وأشار إلى أن الولايات المتحدة هي المستخدم الأول للقناة، إذ تتجه أكثر من 70% من عمليات العبور من أو إلى الموانئ الأمريكية.
وأضاف أنها تعتبر إحدى عجائب العالم الحديث، وقد افتتحت للعمل قبل 110 أعوام، وتم بناؤها بتكلفة ضخمة على الولايات المتحدة من حيث الأرواح والأموال، إذ مات 38 ألف أمريكي، أثناء عملية البناء. واعتبر أنه لا يمكن لبنما أن تفرض على الولايات المتحدة وقواتها البحرية وشركاتها أسعار مرور باهظة.
وشدد على أن للولايات المتحدة مصلحة راسخة في التشغيل الآمن والفعال والموثوق للقناة، متابعا: "لن ندعها تقع في الأيدي الخطأ أبدًا.. وإذا لم يتم اتباع المبادئ الأخلاقية والقانونية لهذه البادرة الكريمة من العطاء، فسنطالب بإعادة قناة بنما إلينا بالكامل، دون أدنى شك"، ونشر ترامب صورة لقناة بنما عليها العلم الأمريكى، وكتب معها تعليق: مرحبا فى قناة الولايات المتحدة.
جرينلاند وحكم الضرورة المطلقة
طرح ترامب فكرة شراء جرينلاند وهي ليست المرة الأولى ففي 2019 اقترح الفكرة ذاتها خلال فترة ولايته الرئاسية الأولى، مما أثار انتقادات واسعة من سياسيين في الدنمارك وجرينلاند، وعقب تصريحاته بشان قناة بنما اشعل ترامب الجدل مجددا بمنشور جديد على تروث سوشيال كتب فيه: "لأغراض الأمن القومي والحرية في جميع أنحاء العالم، ترى الولايات المتحدة أن ملكية جرينلاند والسيطرة عليها ضرورة مطلقة ".
وبعد أزمة قناة بنما مع ترامب أكد رئيس وزراء جزيرة جرينلاند (ذاتية الحكم داخل مملكة الدنمارك)، ميوتي إيجيدي، أن الجزيرة "ليست للبيع"، وقال إيجيدي "جرينلاند ملك لنا، نحن لسنا للبيع ولن نكون للبيع أبدا، يجب ألا نفقد نضالنا الطويل من أجل الحرية".
وتعد جرينلاتد أكبر جزيرة فى العالم وتقع بين المحيطين الأطلنطى والقطبى الشمالى. ويغطيها الجليد بنسبة 80%، ويوجد بها قاعدة أمريكية كبيرة وحصلت على حكم ذاتى من الدنمارك فى عام 1979 وأشار رئيس حكومتها موتيه بورباب إيجيد إلى أن دعوات ترامب الأخيرة للسيطرة الأمريكية عليها بلا مغزى مثلما كانت دعواته السابقة فى فترته الأولى.
وقال فى بيان، إن جرينلاند ملكنا، ولسنا للبيع، ولن نكون للبيع أبدا ولا يحدب أن نخسر معركتنا المستمرة منذ سنوات من أجل الحرية.
الخطر يقترب من المكسيك
وناقش حلفاء ترامب أيضًا "غزوًا ناعمًا" محتملًا للمكسيك، كما عبر أحد المستشارين وقد يتضمن ذلك استهداف عصابات تهريب المخدرات من خلال عمليات القوات الخاصة عبر الحدود أو ضربات الطائرات بدون طيار، وصفت الرئيسة المكسيكية كلوديا شينباوم هذه الفكرة بأنها "فيلم بالكامل" وقالت: "بالطبع نحن لا نتفق مع الغزو أو وجود هذا النوع في بلدنا".
لكن اختيارات ترامب لإدارة وزارة الخارجية والبنتاجون ومجلس الأمن القومي وسياسة الحدود أيدت جميعًا شكلًا من أشكال العملية العسكرية الأمريكية ضد العصابات.
وبعد تصريحات ترامب واحلامه التوسعية التي لم يخفيها ينتظر العالم في ترقب ما الذي سيحدث خلال السنوات الأربع القادمة في أمريكا ترامب وتداعيات قراراته.