من غرفة التشريح إلى ساحة المحكمة.. خبيرة الطب الشرعى الدكتورة دينا شكري تفتح خزائن أسرارها لـ"اليوم السابع": الجثث لا تكذب والتشريح ليس عاطفة.. والعقل الطبي ضد الخرافة ونكشف أسباب الوفاة رغم مرور الوقت

الثلاثاء، 07 يناير 2025 04:30 م
من غرفة التشريح إلى ساحة المحكمة.. خبيرة الطب الشرعى الدكتورة دينا شكري تفتح خزائن أسرارها لـ"اليوم السابع": الجثث لا تكذب والتشريح ليس عاطفة.. والعقل الطبي ضد الخرافة ونكشف أسباب الوفاة رغم مرور الوقت الزميل محمود عبد الراضى يحاور الدكتورة دينا شكرى أستاذة الطب الشرعي
حوار: محمود عبد الراضي

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

في عالم تتشابك فيه خيوط الحقيقة مع الظن، حيث تتحول الجثث إلى ألغاز يسعى المحققون لحلها، يظل الطب الشرعي أداة حاسمة للكشف عن ما وراء الحوادث والجرائم، ومع تقدم التكنولوجيا، أصبحنا قادرين على فك طلاسم لم يكن بالإمكان تصورها في الماضي.

في هذا الحوار، تأخذنا الدكتورة دينا شكري، أستاذة الطب الشرعي والسموم بكلية الطب جامعة القاهرة وخبيرة الطب الشرعي، في رحلة إنسانية وعلمية تكشف لنا فيها عن أسرار هذا المجال المعقد.

إلى نص الحوار:


ما هو الطب الشرعي؟


الطب الشرعي هو مهنة تلتقي فيها العلوم الطبية بالقانون، حيث يعتمد على فحص الجثة لتحديد سبب الوفاة، ويُعد أداة مهمة في التحقيقات الجنائية والمدنية، التشريح ليس مجرد إجراء ميكانيكي، بل هو عملية دقيقة يختص بها الطبيب الشرعي، الذي يتحمل مسؤولية كبيرة؛ لأن أي خطأ في التشخيص قد يؤدي إلى ضياع الحقيقة، ولكن ما يثير فضول الكثيرين هو خرافة "التحدث مع الجثث"، وهو أمر ليس له أساس علمي، حيث يتعامل الطبيب الشرعي مع الجثة باعتبارها دليلاً حياً على ما جرى، لا أكثر.

لماذا اخترتِ الطب الشرعي؟


"الطب الشرعي ليس مجرد مهنة طبية؛ بل هو رسالة إنسانية تهدف إلى الحفاظ على حقوق الناس، وفي قلب كل حالة، تكمن الحقيقة التي يجب أن تُستخلص، مهما كانت مريرة، أنا أؤمن أن الطب الشرعي لا يقتصر على التشخيص الطبي فقط، بل يسهم بشكل مباشر في الفصل بين الخير والشر، وفي إعطاء كل ذي حق حقه".

هل شعرتِ بالخوف عند أول جثة قمتِ بتشريحها؟


في البداية، ربما كان هناك نوع من التأثر، لكن سرعان ما تعلمت كيف أفصل بين مشاعري وبين عملي، العملية ليست مجرد تشريح بل هي رحلة للوصول إلى الحقيقة، الطبيب الشرعي، مثل القاضي، يقيم العدالة، ويكون محايدًا في حكمه، بعيدًا عن أي مشاعر شخصية".

كيف توازنين بين حياتك المهنية والعائلية؟


"القدرة على الفصل بين العمل والمنزل من أهم مهاراتي، بمجرد أن أغلق باب المنزل خلفي، أترك هموم العمل في الخارج، وأركز على عائلتي وحياتي الشخصية

هل يثير عملك في الطب الشرعي قلقًا لدى أسرتك؟


لا، لأنني مؤمنة بدوري في تحقيق العدالة، عملي ليس مهنة غريبة أو شاذة بالنسبة لهم؛ إنه جزء من حياتي اليومية، وهم يدعمونني في كل خطوة أخطوها، في النهاية، المهم هو أنني أؤدي عملي على أكمل وجه.

ما الدور الذي يلعبه الطب الشرعي في حل القضايا المعقدة؟


الطب الشرعي هو عين القانون التي ترى ما لا يستطيع الآخرون رؤيته، نحن لا نتعامل مع الجثث كما يظهر في الأفلام، بل نحن مجموعة من العلماء المتخصصين الذين يجمعون الأدلة الدقيقة التي تساهم في بناء الحقيقة،الجثة تكون بمثابة الدليل الصامت، وكل علامة أو إصابة أو تغيير في الأنسجة هو إشارة قد تقودنا إلى حل اللغز.

هل هناك حالات يمكن فيها للطبيب الشرعي تحديد سبب الوفاة حتى بعد دفن الجثة لفترة طويلة؟


نعم، يمكننا تحديد أسباب الوفاة حتى بعد سنوات من دفن الجثة، السموم، مثل بعض العقاقير أو السموم التي تترسب في العظام، تظل في الجسم لفترة طويلة، مما يمكننا من كشف الحقيقة حتى بعد مرور وقت طويل على الوفاة. كذلك، في حالات الشنق، لدينا أدوات لفحص الجثة واكتشاف ما إذا كانت الوفاة نتيجة انتحار أو جريمة قتل.

هل يمكن للطب الشرعي التمييز بين جريمة قتل وحادث عادي؟


بالطبع، يمكننا التمييز بين الحادث والجريمة، مثلا، في حالة الغرق، هناك علامات نستطيع من خلالها التمييز بين الغرق الطبيعي وبين جريمة قتل تم فيها إلقاء الجثة في الماء بعد القتل، الأدلة الطبية هي التي تتحدث وتكشف عن التفاصيل التي قد تغيب عن التحقيقات التقليدية.

كيف يتعامل الطب الشرعي مع الجرائم الإنسانية مثل الاغتصاب؟


الاغتصاب هو جريمة من أبشع الجرائم، لكن الطب الشرعي لديه الأدوات لتحديد ما إذا كانت الضحية قد تعرضت للاغتصاب أم لا، حتى في حالة عدم وجود علامات واضحة مثل تمزق غشاء البكارة، نحن نبحث عن علامات أخرى، مثل الكدمات أو آثار المخدرات أو أية علامات أخرى قد تدل على وجود جريمة اغتصاب.

هل هناك جهل حول ما يعنيه الاغتصاب وكيفية التعامل مع هذه القضايا؟


بالفعل، هناك الكثير من المفاهيم الخاطئة حول الاغتصاب، يعتقد البعض أن الاغتصاب يجب أن يكون مصحوبًا بعنف شديد أو يتطلب فض غشاء البكارة، لكن الحقيقة أن الاغتصاب يمكن أن يحدث بأشكال عديدة، ولا يرتبط بالضرورة بالعنف الظاهر، ما يهم هو تقديم الأدلة المناسبة التي تدعم حقوق الضحايا.

كيف تفصلين بين مشاعرك الإنسانية وعملك في القضايا الحساسة؟


من الصعب ألا تتأثر بعض القضايا الإنسانية، مثل قتل الأطفال أو الاعتداءات، لكنني تعلمت أن أضع مشاعري جانبًا وأركز على تقديم الأدلة التي تسهم في كشف الحقيقة، الطب الشرعي يتطلب تجردًا عاطفيًا، فكل قضية تهمني تتطلب مني أن أكون محايدة لأتمكن من تقديم العدالة.

هل يمكن تحديد ما إذا كانت الوفاة انتحارًا أم جريمة قتل؟


نعم، يعتمد ذلك على الأدلة الطبية، مثلا، في حالات الانتحار باستخدام السلاح الناري، نحدد زاوية الرصاصة وحالة الإصابة، في حالات الشنق، يمكننا تحديد ما إذا كانت الوفاة نتيجة انتحار أم قتل بناءً على العلامات الواضحة في الجثة.

ماذا عن مستقبل الطب الشرعي؟


المستقبل مليء بالتحديات والتطورات، مع تقدم التقنيات، أصبح لدينا أدوات مثل فحص الحمض النووي والذكاء الاصطناعي لتحليل الأدلة بسرعة ودقة أكبر، ومع ذلك، يبقى العامل البشري هو الأهم في هذا المجال؛ فالفحص الدقيق والقدرة على تحليل الأدلة هي التي تضمن الحقيقة في النهاية.

في عالم مليء بالغموض، تظل الدكتورة دينا شكري مثالًا مشرفًا على التزام المهارة الطبية والإنسانية معًا، من خلال عملها في الطب الشرعي، تساهم في إعادة الحق لأصحابه، وتثبت أن العلم يمكن أن يكون حلاً للغموض، وأن الحقيقة دائمًا ما تجد طريقها للظهور، مهما طال الزمن.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة