تسبب انقسام وفشل محادثات أحزاب تيار الوسط لتشكيل ائتلاف حكومي بالنمسا، إلى تسلل زعيم حزب الحرية اليمينى المتطرف هيربرت كيكل، ويحصد أصوات أكثر من مليون و400 ألف ناخب في الانتخابات التشريعية التي جرت سبتمبر الماضى، ليصبح المستشار المقبل، وهو الذى وصفه المستشار النمساوى السابق، كارل نيهامر، بأنه يمثل خطرًا أمنيًا.
وأصبح كيكل أكبر قوة في البرلمان النمساوى، بحصوله على 28,8% من الأصوات، وفي استطلاعات الرأي الحالية يؤيده حوالي 35% من الناخبين.
وبعد فشل محادثات أحزاب تيار الوسط لتشكيل ائتلاف حكومي، كلف رئيس الدولة ألكسندر فان دير بيلين، حزب الحرية النمساوي اليميني الشعبوي بتشكيل الحكومة، فمن هو ؟
ولد هيربرت كيكل عام 1968 في مدينة فيلاخ بولاية كيرنتن في أقصى جنوب النمسا، ووفقًا لدويتشه فيله، فهو لا يتمتع بكاريزما جذابة مثل زعماء الحزب السابقين، وكان يوصف بأنه انطوائي وفردي، وكان لفترة طويلة يقف ويعمل من وراء الكواليس، ومقابلاته مع وسائل الإعلام نادرة، ولا يعرف سوى القليل عن سيرته الذاتية فهو متزوج ولديه ابن وحيد، ويمارس الرياضات الجبلية ، وبعد أدائه للخدمة العسكرية التحق بجامعة فيينا حيث درس العلوم الإنسانية، لكنه ترك الدراسة من دون الحصول على شهادة جامعية.
والآن صار كيكل جاهزا ليصبح المستشار المقبل للنمسا أو "مستشار الشعب" كما أعلن حزب الحرية النمساوي، دون أي تحفظ بشأن الماضي النازي لهذا التعبير، فقبل انتشار كلمة "القائد" أطلق هتلر على نفسه لقب "مستشار الشعب".
وارتقى هيربرت كيكل خطوة خطوة في الحزب نحو القيادة، حيث بدأ مسيرته مستشارا وكاتبا لخطابات زعيم الحزب الأسبق يورغ هايدر، ثم أصبح أمينا عاما للحزب تحت قيادة رئيسه السابق هانز كريستيان شتراخه، الذي سقط عام 2019 بعد ما يعرف بفضيحة إيبيزا، حيث تم تصوير فيلم فيديو سرا مع سيدة يعتقد أنها روسية على جزيرة إيبيزا الإسبانية، يوثق قبول شتراخه وأحد أعضاء الحزب بالفساد والرشوة.
ثم أصبح كيكل زعيما للحزب عام 2021 ونجح في تجاوز هذه الفضيحة التي هزت الحزب وأثرت عليه، رغم أن المستشار السابق زعيم حزب الشعب النمساوي المحافظ، سيباستان كورتس، قد اتهمه بالضلوع في الفضيحة، وكان كيكل حينها وزيرا للداخلية، ورفض الاستقالة من منصبه، فأقاله كورتس، وكان بذلك أول وزير تتم إقالته في تاريخ النمسا الجديدة.
وخلال توليه منصب وزير الداخلية لمدة 17 شهرا، كان كيكل يتخذ مواقف متشددة وخاصة فيما يتعلق بالهجرة، فمرة خطط حظر تجوال في مراكز الاستقبال الأولية للاجئين وسمى ذلك "راحة ليلية طوعية"، وفكر في ترحيل مرتكبي الجرائم الأجانب، بعد إدانتهم في المرحلة الأولى من التقاضي حتى قبل أن يصبح الحكم باتا غير قابل للطعن.
وفي انتخابات البرلمان الأوروبي عام 2019، ألمح كيكل إلى أنه يريد التحايل على الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وقال في حوار مع قناة التلفزيون النمساوية العامة: لازلت أعتقد أنه يسري مبدأ: يجب أن يتبع القانون السياسة وليس السياسة تتبع القانون.
ويشارك كيكل حزبه التشكيك في الاتحاد الأوروبي، ووصف سياسته في وقت سابق بأنها "متعجرفة وراضية عن نفسها".
ويدعو برنامج حزبه إلى تقليص صلاحيات مؤسسات الاتحاد الأوروبي ويطالب بـحصن النمسا ضمن منطقة دول شينجن، وبذلك يكون حزب الحرية النمساوي، أكثر اعتدالا من حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي، الذي أكد في برنامجه للانتخابات التشريعية التي ستجرى في 23 فبراير المقبل، على الخروج من الاتحاد الأوروبي.
لكن في الكثير من المجالات الأخرى هناك تطابق بين مواقف حزبي الحرية النمساوي و"البديل" الألماني، فكلاهما يستخدمان مصطلح "الهجرة العكسية" وذلك من أجل خلق مزاج عام مناسب لعمليات ترحيل جماعية للمهاجرين.
وعزز كيكل شعارات حزبه المناهضة للإسلام وألقى عام 2016 كلمة في اجتماع لشبكات يمينية متطرفة، ويعود إليه الفضل في رفع شعار "داهام بدل الإسلام" وداهام تعني المنزل، أثناء الحملة الانتخابية، وكما ممثلو فعل حزب البديل تقرب كيكل أثناء جائحة كورونا من مناهضي التلقيح ومن يؤمنون بنظريات المؤامرة.
كما يشكل رفض دعم أوكرانيا ضد روسيا ومدها بالسلاح، عنصر إلتقاء بين حزبي الحرية النمساوي و"البديل من أجل ألمانيا". ففي فبراير 2023 في الذكرى السنوية الأولى لغزو روسيا أوكرانيا، تحدث كيكل في البرلمان النمساوي عن "التاريخ الطويل لاستفزازات الولايات المتحدة وحلف الناتو"، وأن كلا الطرفين مذنبين، ويعارض كيكل العقوبات الأوروبية ضد روسيا، ويرى حزبه أن مساهمة الغاز الروسي في تأمين إمدادات الطاقة "لا تزال مهمة".
وفي عام 2016 عقد حزب كيكل "الحرية النمساوي" اتفاقية صداقة مع حزب بوتين "روسيا الموحدة"، لكن فيما بعد تم التقليل من شأن هذه الاتفاقية، وقال ساسة أمنيون ألمان في الخريف الماضي، إذا شارك حزب الحرية النمساوي في الحكومة، فيجب إعادة النظر في التعاون الاستخباراتي مع النمسا، ووصف النائب البرلماني رودريش كيزفيتر من كتلة الاتحاد المسيحي في البوندستاج، حزب الحرية النمساوي بأنه "حصان طروادة لروسيا في أوروبا".
فيما يخشى منتقدو كيكل، أنه إذا أصبح مستشارا قد يسير على درب رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان الذي يعتبر صديقا لبوتين، بل حتى إنه قد يعيد تشكيل النمسا على غرار المجر وعلاقاتهما، كيكل وأوربان، ببعضهما جيدة، وأسسا في الصيف الماضي مع رئيس الوزراء التشيكي السابق، أندريه بابيش، كتلة "وطنيون من أجل أوروبا" في البرلمان الأوروبي.
وبعد الانتخابات التشريعية، تم تشكيل حصن منيع ضد حزب الحرية النمساوية في البداية، إذ لم يكن أي حزب يرغب في التحالف معه، وقال حينها الأمين العام لحزب الشعب النمساوي المحافظ، كريستيان شتوكر في جلسة للبرلمان "لا أحد يريده"، لكن الآن يريد شتوكر نفسه، الذي أصبح الرئيس المؤقت لحزب الشعب بعد استقالة نيهامر، أن يشارك في ائتلاف حكومي مع كيكل، يضم حزبي: الشعب النمساوي المحافظ، والحرية النمساوي اليميني الشعبوي.