إن أكبر الأدوار الفعالة في دعم الحوار بين الحضارات تقع على عاتق الإعلام بشكل عام فهو وسيط ناقل للثقافات وإما أن يعمل الإعلام على دعم الحوار وتقريب المسافات بين الثقافات المختلفة والشعوب ويقوم بفتح ساحات للنقاش تقوم علي بناء الجسور وتحقيق التفاهم والتعايش والإعتراف بالحق في الاختلاف مع احترام هذا الحق، ويقوم بنقل الأحداث من خلال التغطية الموضوعية المتوازنة التي لا تزيد من اشتعال وتصعيد الأحداث وانما تعمل علي تخفيف حدة التوترات واقتراح الحلول، أو أن يقوم الإعلام بترسيخ فرضيات الصدام وتوسيع الفجوة بين الثقافات المختلفة والترويج للصورالنمطية المغلوطة، فقد ثبت أن للإعلام دورا كبيرا في زيادة اشتعال الأزمات والأحداث والترويج للنزاع وتصعيده وزيادة خطاب الكراهية من خلال التغطية المتحيزة للإعلام لطرف ما علي حساب الأخر، ونقل الأحداث من منظور إنها معركة بين طرفين لابد أن يكسب طرف وطرف يكون هو الخاسر فضلا عن نقل الحدث أيضا بشكل سلبي قائم علي مدركات ومعلومات مغلوطة ومضللة والتركيز علي الخسائر المادية للنزاعات من تدمير وعنف وحرق ومظاهرات.
ولم يعد الإعلام مجرد ناقل للأحداث، وإنما أصبح متحكما في مسارات الأحداث ومشاركا في صنعها، "فعلي سبيل المثال قامت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بعد أحداث 11 سبتمبر بإنشاء مراكز إعلامية استباقية للتحكم في الأخبار والتقارير ومسارات النشر لتحديد التأثير المستهدف في هذه الأزمة".
ويساعد الإعلام في تشكيل الرأي العام مما سيساعد على إجراء الحوار بين الثقافات من خلال توسيع المعارف العامة والممارسات الخاصة بالمجموعات الدينية والثقافية المختلفة.
ويجب أن يبث الإعلام مضامين متنوعة تقوم علي توضيح الأرضية المشتركة بين الثقافات المختلفة مغلفة بالاحترام والتفاهم والتقبل بدلا من إثارة الكراهية والصور التصنيفية والنمطية والعداء بين الاختلافات الثقافية وإطلاق مبادرات إعلامية تتوجه إلي الشعوب وتقوم علي توضيح نقاط الاتفاق، وتريد حل النزاعات بإرضاء جميع أطرافه من خلال التركيز علي الأرضية المشتركة بين الأطراف بدلاً من التركيز علي الإختلافات لتوضيح سوء الفهم وتحليل وتفنيد النزاع وتشجيع التوازن وبناء الحلول.
ويعتبر الإعلام أداة إذا أحسن استخدامها استطاعت أن تؤثر في المجتمع بشكل كبير، وذلك من خلال سياسات إعلامية تعمل بشكل ايجابي من خلال إعداد برامج ومواد درامية هادفة وذلك لنشر روح ثقافة الحوار، فالأشكال الدرامية التي يقدمها التليفزيون تقوم بدور في تكوين السلوك الفردي والجماعي، أي انها تسعي إلي ترسيخ بعض القيم والمفاهيم الخاصة بالمجتمع أو إلغائها أو تعديلها.
فقد أصبحت متابعة وسائل الإعلام جزءاً أساسيا من طقوس الحياة اليومية لغالبية أفراد المجتمع كنوع من التفاعل مع مجريات الأمور، وخاصة مع وجود وسائل الإعلام الجديد وفرت ثورة المعلومات والاتّصالات الحديثة فرصًا هائلة وواسعة لتعزيز ثقافة الحوار، وفي الوقت ذاته، زادت من تهديداتها لـ " ثقافة الحوار"، خاصّة في ظّل كثافة نشر البيانات والمعلومات عبر وسائل الإعلام الجديد، فقد زادت الفرص والتهديدات بعد الانتقال من عصر الصحف والفضائيّات الأكثر انضباطًا في ممارسة المسؤوليّات الاجتماعيّة والقواعد المهنيّة، إلى عصر وسائل الإعلام الجديد وشبكات الإنترنت، ودخول العالم في العصرين الرقميّ والافتراضيّ بعد تجاوز الإعلام التقليدي.
وأتاحت شبكة الإنترنت للأفراد فرصة الاتّصال بسهولة مع أفراد ينتمون لثقافات ومجتمعات أخرى على الرغم من الحدود والحواجز بينهما. كما ساهمت التطوّرات التكنولوجيّة الحديثة في إقامة علاقة من خلال الهواتف المستقلّة والحواسيب الشخصيّة والتطبيقات وغيرها، وهنا نجدد الدعوة الي تدريس مناهج التربية الإعلامية في المدارس والجامعات التي من شأنها أن تعلم الفرد كيفية التعامل مع وسائل الإعلام وكيفية تكوين رؤية الفرد النقدية وكيفية توصيل الفرد لرأيه واجراء حوار بطريقة تناسب قيم المجتمع والتنوع الثقافي وتدريس مقررات أخرى من شأنها أن تساعد الطلاب في تعلم ثقافة الحوار وتقبل الأخر وفهم التنوع الثقافي، لان الحوار المتبادل بين شخصين أو فئتين يعتبر مظهرا من مظاهر التقدم والتحضر، حيث أن لغة الحوار الهادئ البناء أهم ما يميز المجتمعات الناضجة، وهذا الفن لابد أن يتعلمه الإنسان منذ الصغر حتي يكون أساس تعامله مع كل من حوله مع ضرورة إقامة الجسور بين جيل الشباب والأجيال الأكبر سناً وأيضا بين الثقافات وبين الأمم، وحتي وإن لم نتفق في بعض القضايا، فإن هذه الجسور سوف تساعدنا على الإدراك بأننا جميعا نعيش في كوكب واحد، وإن لنا أهداف وإهتمامات مشتركة من أجل التعايش السلمي مع ومراعاة اللغة المستخدمة في الحوار فيجب ألا ندع الحواجز تتكون من خلال شعارات مثل "صدام الحضارات" أو "صراع الأديان" فالمستقبل يكون في الحوار وليس الصراع أو الصدام ونحن في أمس الحاجة لقادة مستنيري الرؤى يصنعون التاريخ وليس قادة يكون تصورهم أو رؤيتهم نهاية التاريخ.
لابد من مشاركة المجتمع ككل فلن ينتقل الحوار بين الثقافات إلي الشعوب عن طريق النخبة والمؤسسات المدنية فقط، فمشاركة العلماء في الحوار ضرورة لإنه يساعد على ظهور وجهات نظر إيجابية مما يدعم فكرة ضرورة إهتمام وسائل الإعلام بدعم الحوار الجماعي بين الشعوب وفتح باب الحوار مع العلماء وأهل الخبرة ونبذ مناخ الكراهية مع توفير فرص تدريب للصحفيين والإعلاميين في مجال التربية الإعلامية.وتدريب الصحفيين والإعلاميين وتبادلهم ثقافيا وإعلاميا فثبت بشكل كبير دور الصحفيين بإعتبارهم المسؤولين عن نقل الأحداث وتحريرها في ترسيخ الصور النمطية وازدياد الأزمات واشتعالها فلابد من تدريبهم وتبادلهم بين الدول من أجل تعارفهم علي الثقافات المختلفة وبالتالي إمكانية قيامهم بالنقل والتحرير الموضوعي للأحداث، بل والعمل كوسيط مباشر لحل أي أزمة قد تثار في المستقبل.
ختاما ..إن دور الإعلام في تعزيز ثقافة الحوار هو وسيلة لا غني عنها في إيصال وجهات النظر المختلفة وحل القضايا العالقة بين الأطراف المختلفة بطريقة حضارية ومتزنة تعزز مناخ التنوع والتعددية وليس مناخ العنف والكراهية وذلك من أجل بناء مجتمعات يسودها السلام وهو ما يوفر البيئة الحقيقية للتنمية الإنسانية المبتغاة.