حنان يوسف

لقاء التعايش والتنوع.. قيم وأليات

الثلاثاء، 18 فبراير 2025 07:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

لقاء مميز عقد خلال الأسبوع الماضي في العاصمة الإماراتية أبو ظبي  بالتعاون بين منتدي حوار الثقافات بالهيئة القبطية الإنجيلية وجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، وشارك فيه نخبة مرموقة من كبار المفكرين والأكاديميين من مختلف الدول العربية.

اللقاء الذي عكس نجاحا ملحوظا وجاء في وقته في ظل المشهد العالمي المرتبك حمل عنوان "التعايش والتنوع" وشملت محاوره جلستين علميتين، تضمنت الأولى الأسس التي تقوم عليها قصص النجاح في التعايش، مع أمثلة ملهمة لتجارب مؤسسية وشبابية في دعم مبادرات التعايش، وكيف يمكن للمؤسسات الدينية والأكاديمية أن تطلق مبادرات فعالية ومستدامة، فيما تضمنت الثانية أوراق علمية تناولت التعليم كأداة إستراتيجية لتعزيز التفاهم والتعايش، ودور المناهج الدراسية في بناء وعي جديد يدعم التنوع، والتعاون بين المؤسسات التعليمية والدينية لدعم ثقافة الحوار.


ورغم ما اشتمل عليه اللقاء  من جلسات  علمية رصينة ومهمة   ناقش  فيها المشاركون سبل تعزيز قيم التنوع والتعايش إلا إنه بفتح الباب لمزيد من النقاشات المستقبلية حول القيم الفلسفية المختلفة لمفاهيم  التعايش والتنوع من جهة وضرورة وضع أليات وأدوات  من جهة أخري ضمانا لوضع هده القيم في إطارها التطبيقي من أجل تحقيق السلام الاجتماعي الذي هو الهدف النهائي من إحلال قيم التعايش والتنوع والتسامح .


فالتعايش مبدآ اساسي للحفاظ على التنوع الثقافي، وهذا الاخير لا يتأتى الا بتوفير شروط اساسية تجعل من هذا المبدأ فعّال وناجح، ويفسح مجال الحوار وثقافة الفهم ، وتقبل الآخر في ظل تجاذب لا تنافر .لهذا وجب ان يكون التعايش بين الافراد داخل المجتمع الواحد وبين المجتمعات بعضها البعض، لان فلسفة التعايش تسمح بتعزيز  ثقافة العيش المشترك المبني على احترام الهويّات حتى ان التنوع الثقافي قد يصبح خطرا على المجتمع اذا لم يحبك بنسيج التعايش والتسامح.


ولعل من أهم التحديات التي تواجه المجتمعات الإنسانية اليوم هو كيفية التعامل مع الاختلاف ومع تزايد وتيرة التحريض على العنف  وخطاب الكراهية تحت مبررات دينية وعرقية، أصبح موضوع إدارة التنوع، من خلال صناعة التعايش، داخل المجتمع الواحد، أو بين المجتمعات الإنسانية، أمراً في غاية الأهمية، ليس فقط لأصحاب القرار السياسي، بل لأفراد المجتمع كافة. ومن هذا المنطلق أصبح مفهوم التعايش أحد المفاهيم المحورية الهادفة لإدارة التنوع في المجتمعات الإنسانية بشكل سليم، وتحويله إلى قوة دفع لتعزيز التماسك المجتمعي وتحقيق السلام بين شعوب العالم. لأن التعايش، كضرورة مطلقة لتسوية العلاقات الإنسانية، في المجتمعات والأديان والأوطان، لم يعد منها مفر؛ إذ إن البديل للتعايش هو، بالضرورة، الإقصاء والإلغاء وما يترتب عليهما من عنف وفوضى، وعنف مضاد.


وهنا تظهر اهمية وضع اليات واضحة من اجل تحقيق هذه الفلسفة ومن اهم هذه الآليات هي ادوات القوة الناعمة وفي مقدمتها الإعلام والتعليم والمجتمع المدني .


ففي الإعلام ينبغي إعادة النظر في مواجهة خطابات الكراهية المتزايدة في وسائل الإعلام وبصفة خاصة مع تزايد قوة وسائل الإعلام الجديدة ومواقع التواصل الاجتماعي التي يسيطر علي اغلبها الانفلات وعدم وجود رقيب فيها .


وأما عن التعليم فيجب اعادة النظر في تنقية المناهج التعليمية من اية مضامين محرضة علي الكراهية والعنف مع استحداث مقررات تعليمية تشجع علي الحوار والإختلاف وتقبل الآخر والاهتمام بالأنشطة الطلابية والتعليمية المختلفة التي تبني من شخصية الطالب وتزيد من قدرته علي التفكير النقدي وتجعله متزنا وقادرا علي التعايش وسط التنوع والاختلاف .


ويعتبر المجتمع المدني بما يتوفر له من ديناميكية في الحركة والأدوات أداة قوية في نسج مناخ التعايش وإدارة التنوع والإختلاف داخل المجتمع فهو يمتاز بقدرته علي التشبيك  والتداخل وسط الفئات المختلفة في المجتمع مما  يجعله قادرا علي إدارة الإختلاف والتنوع بكفاءة كبيرة شرط توافر إطار مؤسسي قوي يعمل من خلاله وبنفذ خططه وبرامجه لتحقيق التعايش وبناء التنوع .


وهذه الأدوات والايات تعزز من القدرة على إدراك أهمية العيش المشترك، كقيمة عليا من قيم الحياة، ولا بد أن تكون نابعة من اعتقاد مشترك بين طرفين  تريد أن تتعايش، رغم اختلافهما. ولهذا فإن القيم المشتركة هي مركز ومحور عملية التعايش. مما يمنح الفرد توازناً نفسياً، وسلاماً داخلياً وانسجاماً مع محيطه العام.


ومن أهم هذه القيم الداعمة لمبدأ التعايش، قيمة الحوار؛ لأن الحوار هو عنوان التعايش والتعبير الأسمى عن دلالته؛ بل يمكننا القول إن التعايش، في حقيقته، إنما هو أشكال متعددة من الحوار، ناطقة وصامتة. كما أن الحوار هو النشاط الفكري الأول في مسيرة المجتمع نحو التعايش ومن القيم الداعمة للتعايش؛ قيمة الاحترام، فهي من مظاهر التعايش، لأن الاحترام في حقيقته حالة من سمو النفس تفرض على صاحبها مراعاة قواعد العيش المشترك. وبهذا يصبح الاحترام قيمة عليا في الضمير الاجتماعي الذي عادة ما يكون قيمة موازية لقيمة النظام والقانون. كما أن من مظاهر التعايش؛ قيمة التسامح، وهي قيمة ترتبط بالقدرة على أن يكون المجتمع متصالحاً مع نفسه ومعبراً عن ذلك التصالح من خلال التنوع والتعدد في التوجهات المختلفة بين أطيافه. إن التسامح بهذه الصورة، أيضاً، علامة كاشفة عن وجود التعايش وجوداً حقيقياً لا شكلياً. إلى جانب تلك القيم، يعتبر النقد الذاتي من أهم العناصر  لمبدأ التعايش، حيث إن حصانة النقد الذاتي التي تزدهر في مجتمعات التعايش الحقيقي ستكون لها بمثابة المسار الذي يدعم صحة المجتمع والوطن، وبالتالي يصبح نمط التعايش في أي مجتمع هو حصانة مستمرة، وما يعتبر ذروة  التعايش تأتي قيمة المواطنة، وتقوم على المساواة التامة بين جميع أفراد الشعب أمام النظام والقوانين.


إن مبدأ التعايش وإدارة التنوع لم يعد مجرد ترف فكري بل هو ضرورة لحماية مستقبل البشرية من أخطار دعوات الكراهية والعنف والإقصاء على أسس دينية أو مذهبية أو عرقية. وهذا يستدعي استنهاض قدرات المجتمعات الإنسانية وتوحيد جهودها لتعزيز مسار التعايش كقيمة إنسانية جامعة تكفل حماية التنوع، وتعزز الحوار والتعاون وتحقق السلم المجتمعي والتنمية الإنسانية.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة