لو سألتنى عن أكثر الأسئلة المطروحة علىّ تكررًا لأجبتك أنه: «أريد أن أقرأ فى التاريخ، لكنى لا أعرف كيف أفعل ذلك بشكل صحيح.. فهل يمكنك أن تفيدنى بإجابة ذلك؟».
لا ينافس هذا السؤال فى كثرة تكرار طرحه إلا قرينه: «ما فائدة قراءة التاريخ ودراسته ما دام الراوى إنسان يصيب ويخطئ ويصدق ويكذب وينحاز ويعدل؟
أو: «وبم يفيد البحث فى ماض انقضى وذهب أبطال أحداثه؟ ألا يعد التاريخ بذلك علم لا ينفع وجهل لا يضر؟».
للرد على هذا النوع من الأسئلة، أسارع بالبحث عن ملف احتفظ فيه بمقتطفات من أقوال بعض أهم المؤرخين وأساتذة علم التاريخ - والعلوم الإنسانية ذات الصلة - بشأن التاريخ وقراءته وأهميته.. وأقدمه للسائل على سبيل المقدمة للإجابة.. دعونى إذن أعرضها عليكم - أعنى تلك المقتطفات - فى هذا المقال، تمهيدا للرد بشكل أكثر تفصيلا فى المقالات التالية.
حسنا، ها قد وجدت الملف، فإليكم ما فيه مما أراه من أقيم وأهم ما قيل فى علم التاريخ:
«إن الحديث عن كتابة التاريخ يعنى التسجيل الجزئى لأحداثه، أما قراءة التاريخ فتعنى محاولة تفسيره لخدمة الحاضر والمستقبل، يصدق هذا على التاريخ العربى، كما يصدق على تاريخ أية أمة أخرى».
الأستاذ الدكتور قاسم عبده قاسم - كتاب «قراءة التاريخ»
«أعلم أن فن التاريخ فن عزيز المذهب، جم الفوائد، شريف الغاية، إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين فى الأمم فى أخلاقهم، والأنبياء فى سيرهم، والملوك فى دولتهم وسياستهم، حتى تتم فائدة الاقتداء فى ذلك لمن يرونه فى أحوال الدين والدنيا، فهو محتاج إلى مآخذ متعددة ومعارف متنوعة، وحسن نظر وتثبت يفضيان بصاحبهما إلى الحق وينكبان به عن المزلات والمغالط».
عبدالرحمن بن خلدون - من مقدمة كتاب «العِبَر وديوان المبتدأ والخبر» المعروفة بمقدمة ابن خلدون
«إذا أطلَقت نيران مسدسك على الماضى أطلق المستقبل نيران مدافعه عليك»
رسول حمزتوف - شاعر وأديب داغستانى - من كتاب «داغستان بلدى»
«الإنسان يستطيع الحكم على أخلاق غيره بمعرفة من يضعهم موضع إعجابه، كما أن المثل الأعلى لشعب من الشعوب يتمثل عادة فى أبطاله»
الخطيب والسياسى الرومانى شيشرون
«فإن علم التاريخ من أجل العلوم قدرا وأشرفها عند العقلاء مكانة وخطرا لما يحويه من المواعظ والإنذار بالرحيل إلى الآخرة عن هذه الدار والاطلاع على مكارم الأخلاق ليقتدى بها واستعلام مذام الفعال ليرغب عنها أولوا النهى».
المؤرخ تقى الدين المقريزى - من مقدمة كتاب «المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار «المعروف بالخطط المقريزية»
«والغرض منه الوقوف على الأحوال الماضية من حيث هى وكيف كانت، وفائدته العبرة بتلك الأحوال والتنصح بها وحصول مَلَكة التجارب بالوقوف على تغلبات الزمن ليحترز العاقل عن مثل أحوال الهالكين من الأمم المذكورة السالفين، ويستجلب خيار أفعالهم ويجتنب سوء أقوالهم ويزهد فى الفانى ويجتهد فى طلب الباقى».
المؤرخ عبدالرحمن الجبرتى من مقدمة كتابه «تاريخ عجائب الآثار فى التراجم والأخبار».
«ومنها ما يحصل للإنسان من التجارب والمعرفة بالحوادث وما تصير إليه عواقبها/ فإنه لا يحدث أمر إلا قد تقدّم هو أو نظيره فيزداد بذلك عقلا ويصبح لأن يقتدى به أهلا».
المؤرخ ابن الأثير فى مقدمة كتابه «الكامل فى التاريخ»
«إذا كان النسيان مصير كل شىء، لماذا نبنى، ولماذا بنى أسلافنا؟ لماذا نكتب، ولماذا كتبوا هم؟ أجل، فى هذه الحالة فما جدوى غرس الأشجار، ولِم الإنجاب؟ ما فائدة النضال من أجل قضية، والحديث عن التقدم، والتطور، والبشرية، والمستقبل؟ فالإفراط فى التعلق باللحظة المعاشة قد يحاصرنا بمحيط من الموت. وعلى العكس، فإعادة إحياء الزمان الغابر يوسع آفاق الحياة».
أمين معلوف - من روايته «بدايات»
«إن البحث فى بداية الأشياء والظواهر يعطى فكرة عن مصير هذه الأشياء والظواهر، ولذلك يكون حاجز الحاضر الذى يفصل بين الماضى والمستقبل قابلا للاستشفاف».
دكتور خزعل الماجدى - من مقدمة كتابه «سحر البدايات»
«إن نقل المعرفة هو الشىء الوحيد الذى - فى النهاية - يميّز الإنسان عن الحيوان».
جان كلود بارو وغيوم بيغو - من كتابهما «التاريخ الكامل للعالم»
«لقد جهد الإنسان دوما فى كشف حقيقة العالم والحياة والبدايات، وشغلته الغايات والنهايات، وكانت وسيلته إلى ذلك مرتبطة بالمرحلة التاريخية لتطوره نفسيا وعقليا. اعتقد فى البداية أن العالم بكل مظاهره المتنوعة يخضع لترابطات وقوانين وقواعد معينة، واعتقد أن معرفته بتلك الترابطات وقواعدها تساعده فى السيطرة على الطبيعة المحيطة به وإخضاعها لرغباته».
فراس السواح - من مقدمة كتاب «مغامرة العقل الأولى»
«يتصدر التاريخ أولويات الأمة حين تهم بالنهوض عاقدة العزم على الحركة نحو المستقبل، فالمستقبل هو علة التاريخ».
شوقى جلال - مترجم ومفكر مصرى - كتاب «التراث والتاريخ»
«إذا كانت بيدك كرة، وأردت أن ترمى بها إلى الأمام، كان عليك أن ترجع بيدك قليلا إلى الخلف، وكلما أردت للكرة أن تذهب أبعد فابعد إلى الأمام، كان عليك أن ترجع بيدك أكثر فأكثر إلى الخلف، كذلك فيما يبدو ما يجب أن تفعل إذا أردت أن تتكهن بما يمكن أن يكون عليه المستقبل: أن تتأمل ما كان عليه الماضى».
دكتور جلال أمين - اقتصادى ومفكر مصرى - من مقدمة كتاب «العالم عام 2050»
«باستعادة التاريخ الضائع يمكن أن نبدأ فهم قضايا اليوم والتى لا يمكن حلها بالقوة».
مايكل هاميلتون مورجان - كاتب سياسى أمريكى - من مقدمة كتابه «تاريخ ضائع»
«إذا كان علم التاريخ ضرورة من ضرورات البقاء، فضلا عن الارتقاء، وشرطا من شروط اللحاق، فضلا عن السباق، فأية أمة أجدر بمدارسته من هذه الأمة العربية؟».
الأمير شكيب أرسلان - من مقدمة كتابه «الحلل السندسية فى الأخبار والآثار الأندلسية»
«البيئة قد تكون فى بعض الأحيان خرساء، ولكنها تنطق من خلال الإنسان، ولربما كانت الجغرافيا أحيانا صمّاء، ولكن ما أكثر ما كان التاريخ لسانها، ولقد قيل بحق أن التاريخ ظل الإنسان على الأرض».
جمال حمدان - من مقدمة كتاب «شخصية مصر
هذا أهم ما قيل فى علم التاريخ وأهميته، فهو ليس مجرد «حكايات» للتسلية أو لمداعبة النوستالجيا، بل هو علم متكامل له أهداف وقواعد وأصول وفوائد، وهو بالتأكيد ليس «علم لا ينفع وجهل لا يضر» وهو القول الذى أصفه بـ«جرأة الجهل».
والرد عليها مبتدأه طلبى من القارئ العزيز أن يقرأ المقتطفات سالفة الذكر بتأنٍ وصبر، وأن يتأمل معانيها.
وللحديث بقية إن شاء الله فى المقال القادم
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة