تعتبر مشكلة هجرة العقول هي أزمة إنسانية تواجهها العديد من الدول، وأيضاً المؤسسات، وتشير إلى انتقال الكفاءات الناجحة من مكان إلى مكان آخر لظروف وأسباب مختلفة في البيئة المحيطة، مما ينتج عنها حرمان البيئة الأم من تميز وعطاء الكفاءة والعقلية الناجحة لأبنائها، بعد أن باتت هذه البيئة هي بيئة طاردة لهم يستفيد منها الآخرون.
وتتعدد المصطلحات للإشارة إلى ذلك، مثل "هجرة الأدمغة"، و"هجرة الكفاءات"، و"نزيف العقول"، و"إهدار الطاقات"، و"هجرة العلماء"، و"العقول المهاجرة"، و"العقول المغادرة"، و"الألباب المسافرة"، و"رحيل المعرفة"، و"فرار العقول"، و"زهوق الخبرة"، و"سرقة العلماء"، و"اقتناص العلم"، و"نهب المعرفة"، و"قنص الكفاءات"، و"تنقل العلم"، و"حركية الباحثين"، و"حركة الأطر"، و"استقطاب العقول"، و"جلب الأدمغة"، و"كسب العقول"، و"إهدار العقول"، وغير ذلك من المصطلحات التي تعبر عن موقف مسبق من الظاهرةوكلها تعاريف متداولة لنعت ظاهرة ما يوصف بـ"العقول المهاجرة"، وانتقالها من بلدها الأصل ـ لظروف وأسباب وتعرّف "هجرة الأدمغة" أو "هجرة العقول" بما يلي : انتقال أشخاص تلقوا تعليماً جامعياً أو مهنياً، اختاروا أن يغيروا البلد أو المجال الاقتصادي، عامة من أجل رفع راتبهم أو ظروف عيشهم . وفي وصف هجرة العقول في صنفين من المهاجرين:
* الأول: المتخصصون الذين يهاجرون من الدول النامية إلى الدول المتقدمة بهدف العمل، والبحث عن فرص التألق العلمي، والاستفادة من مناخ يحفز إلى الابتكار ويقدّر الإبداع.
* والثاني: الطلاب الذين يرحلون من الدول النامية إلى الدول المتقدمة قصد الدراسة والتدريب والتوسع في الخبرة، ولكنهم بعد أن ينهوا تعليمهم وتدريبهم يقررون البقاء والعمل في تلك الدول لفترات تتفاوت وهجرة العقول المتميزة ظاهرة عالمية وليست مقصورة على العلماء العرب فقط فهناك هجرة للعقول المتميزة من الهند وباكستان والصين واليابان وبعض الدول الافريقية ولكن اتجاهها دائماً من الدول النامية إلى الدول الصناعية الكبرى مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وبالاخص الولايات المتحدة الامريكية وكل ذلك جاء لأسباب تكاد تتشابه.
كما أن الوطن العربي يسهم بـ 31% من هجرة الكفاءات من الدول النامية، حيث يهاجر 50% من الاطباء و23 من المهندسين و15% من العلماء من مجموع الكفاءات العربية متوجهين الى اوروبا والولايات المتحدة وكندا بوجه خاص، فيما لا يعود 54% من الطلاب العرب الذين يدرسون بالخارج إلى بلدانهم، وأن دول اوروبا الغربية وأمريكا تحتضن حالياً أكثر مئات الالاف من العرب من حاملي الشهادات والمؤهلات العليا، وتقدر الخسائر الاجتماعية العربية من جراء ذلك بمئات المليارات من الدولارات، في حين يشكل الاطباء العرب في بريطانيا وحدها حوالي 34% من مجموع الاطباء العاملين فيها، وتستقطب ثلاث دول غربية غنية هي امريكا وكندا وبريطانيا نحو 75% من المهاجرين العرب.
ويؤكد بعض الخبراء أن من الأسباب الرئيسة للهجرة العربية انعدام التخطيط الواقعي في مجال القوى البشرية، وفي ميدان التخطيط التربوي، أو الفشل في إيجاد التكامل والتنسيق بين مخرجات التعليم، ومتطلبات سوق العمل، وعدم الاستقرار السياسي، وعدم وجود المناخ الملائم للبحث العلمي، وانخفاض المستوى المعيشي. أو بسبب عدم الاهتمام بتطوير البحث العلمي وتحديث مناهج التعليم ثم ضيق الحريات الفردية والجماعية وانخفاض مستويات الدخل وعدم كفاية المردود المادي لحياة لائقة، بالإضافة إلى جاذبية الوسط العلمي وتوفير معامل البحث العلمي وفرص البحث المرتبطة بها في البلدان المتقدمة، وضعف عملية التنمية في بلدانهم وعجزها عن استيعاب الطاقات المنتجة ذات الكفاءة العالية، وما ينتج عن ذلك من تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وعدم الاستقرار السياسي أو الاجتماعي والمشكلات التي تعاني منها عملية التطور، اضافة إلى أن العديد من هذه الكفاءات لا تجد ذاتها .
ومن الأسباب الجاذبة لهجرة الأدمغة: الريادة العلمية والتكنولوجية للبلدان الجاذبة ومناخ الاستقرار والتقدم الذي تتمتع به هذه البلدان.
وتوفر الثروة الضخمة التي تمكنها من توفير فرص عمل هامة و مجزية مادياً تشكل إغراءً قوياً للاختصاصين. وإتاحة الفرص لأصحاب الخبرات في مجال البحث العلمي والتجاربالتي تثبت كفاءاتهم وتطورها من جهة أخرى، وتفتح أمامهم آفاقاً جديدة أوسع وأكثر عطاءً، وإبعاد وتهميش الخبرات والكفاءات والاختصاصين وعدم الاهتمام بالأبحاث والدراسات العلمية التي تعتبر غذاء للاختصاصيين يدعوهم للعمل والاستمرار ويفيد الوطن بتحسين أساليب العمل والإنتاج وتطويره.
بالإضافة إلى عدم وجود مشروع التنمية المتوازنةوالشاملة"، والذي من أهم عوامله خلق وتعزيز البيئة الفكرية والعلمية والثقافيةالتي توفر مقومات العمل والاستقرار المعيشي والنفسي والإنتاج العلمي.
1. و فقدان أي نوع من الوحدة أو التكامل أو حتى التنسيق بالبلدان العربية في معالجة موضوع هجرة الأدمغة أو استخدام الكفاءات الوطنية وأصحاب الخبرات من العلماء والمهندسين والأطباء وغيرهم. اهيك عن عدم الاستقرار السياسي والامني في المنطقة وعدم إقدام الدول العربية على منهجية اقتصادية جماعية تجعل منها محور اقتصادي فاعل وبالتالي ينعكس على أوضاعها الاقتصادية ليس هذا فحسب، بل أن أعداد المتعلمين الذين تدفع بهم الجامعات والمعاهد المتخصصة في ازدياد مستمر مع عدم توفر فرص العمل المناسبة مما يجعل كثيراً من المتميزين العرب عرضة لمغريات الهجرة إلى دول الغرب أو الشرق حيث تتوفر فرص العمل وإرضاء الطموح.
فظاهرة هجرة العقول أو الأدمغة كما يسميها البعض ظاهرة متعددة الجوانب ومتعددة الأبعاد تشكلها جملة من العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية وغيرها. وتتمثل أهم الاثار السلبية في حرمان هذه الدول من الاستفادة من خبرات ومؤهلات هذه الكفاءات في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وتوجد آثار سلبية عديدة للهجرة العربية؛ منها تقليص حجم قوى العمل الإنتاجية كمًّا ونوعًا، واستنزاف الكفاءات الضرورية بواسطة هجرة العقول، التي تمثل اليوم إحدى معوقات التنمية الشاملة المعتمدة على التقنيات والتكنولوجيات المتطورة الضرورية لهذه البلدان الصاعدة. كما أحدثت الهجرة خللاً وظيفيًّا كبيرًا في مجتمعات البلدان العربية المصدرة للعمالة، خصوصًا ذلك الفراغ الكبير في العمالة الداخلية: زراعة ـ صناعة ـ خدمات، وأثر سلبًا على كافة القطاعات الاقتصادية.
وعلى أية حال فإن الدعوات التي كانت تنادي بعودة العقول العربية المهاجرة إلى منشئها لتشارك في البناء أصبحت أقل قابلية لقصورها والآن حل محلها النداء الاكثر عقلانية وهو الذي يدعو إلى بناء شراكة مع العقول العربية المهاجرة فالعلماء العرب اليوم يتواجدون في اعرق المراكز العلمية والجامعية والبحثية والصناعية ويطلعون ويطورون كثيراً منها لذلك فإن بإمكانهم عند تقديم دعوة صادقة لهم للمشاركة من مواقعهم في بعض البرامج القائمة هنا في مراكز البحث والجامعات العربية ان يكونوا خير عون اذا أحسن الاختيار وصدقت النوايا من الجانبين خصوصاً مع الحملة الصهيونية من كل من ينتمي للعرب أو الإسلام.
حيث أن توطين التقنية ونقل المعرفة من الدول المتقدمة صناعيا مثل أمريكا واليابان وجنوب شرق آسيا وأوروبا يحتاج إلى قناة اتصال اساسها العنصر البشري لذلك فإن وجود عقول عربية ذات خبرات وكفاءات متميزة في الدول المتقدمة يساعد في الإسراع في عملية النقل وخير شاهد على مثل هذا التوجه استفادة كل من الهند من علمائها المهاجرين وكذلك الصين وفي نفس الوقت لا ننسى تجربة اليابان.
* ومن كان حريصا على إيقاف نزيف الدم العربي عليه أن يعمل اولا على إيقاف نزيف الادمغة العربية. إذ لن يتوقف نزيف الدم العربي قبل أن يتوقف نزيف الأدمغة العربية، فالامة التي تفرّط بعقولها تهون على أعدائها.
ومن المهم في هذه الاستراتيجية الاستفادة من الإعلام والاتصالات والفضائيات في إنتاج برامج ومواد إعلامية خاصة تصل العقول العربية بالاوطان الام وتعمل علي تشجيعهم للانخراط في خطط التنمية في الدول العربية وتغيير الصورة النمطية لهم و. حث الحكومات العربية على تكوين الجمعيات والروابط لاستيعاب أصحاب الكفاءات المهاجرة من بلدانها وإزالة جميع العوائق التي تعيق ربطهم بأوطانهم، ومنحهم الحوافز المادية وتيسير إجراءات عودتهم الى أوطانهم للمشاركة في عملية التنمية والتحديث. وإجراء مسح شامل للكفاءات العربية المهاجرة بهدف التعرف على حجمها ومواقعها وميادين اختصاصها وارتباطاتها وظروف عملها. - وصياغة سياسة عربية مركزية للقوى العاملة على أساس تكامل القوى العاملة العربية بحيث تمكن الدول العربية التي تواجه اختناقات في مجال القوى العاملة من التخلص من فوائضها، وتتيح للبلدان العربية الأخرى التي تواجه عجزا في هذا الميدان من سد العجز لديها. وضع البرامج الوطنية لمواجهة هجرة العقول وإنشاء مراكز للبحوث التنموية والعلمية والتعاون مع الهيئات الدولية والإقليمية المعنية لإصدار الوثائق والأنظمة التي تنظم أوضاع المهاجرين من العلماء وأصحاب الكفاءات ، وتشجيع وتسهيل المساعدات التي تضمن توفير السكن المناسب وتقديم الخدمات اللازمة لقيامهم بأعمالهم بصورة منظمة وفعالة. مع تعاون المنظمات الدولية والإقليمية لإقامة مشروعات ومراكز أكاديمية وعلمية لجذب العقول المهاجرة، للإشراف على مثل هذه المراكز والإسهام في أعمال وأنشطة هذه المراكز.
وإشاعة جو من الاحترام والتقدير للعلماء وإنشاء مؤسسات علمية جيدة التجهيز وتشجيع الطباعة والنشر على الصعيد المحلي، وتسهيل وتشجيع نشر الإنتاج العلمي. وإنشاء مراكز بحوث وطنية للعلماء والمتفوقين.
وتوفير الفرص لمتابعة أحدث التطورات في البحث العلمي (الدورات، المؤتمرات، المكتبات) ـ تطوير النظام التعليمي بحيث يتجاوب مع الاحتياجات الوطنية، سلامة توزيع المنح الدراسية، مع الحفاظ على صلات كافية بالدراسين في الخارج. احترام الحريات الأكاديمية والعلمية، وإعطاء أعضاء الهيئات العلمية والأكاديمية حرية التعبير وتوفير الإمكانيات اللازمة للوصول إلى مختلف علوم المعرفة والعلوم. فصل التعليم عن السياسة واحترام حقوق الإنسان وخضوع الدولة والأفراد للقانون.
الأمر الذي يؤكد ضرورة العمل من أجل تهيئة الظروف السياسية والاقتصادية لعودة الكفاءات العربية المهاجرة، فرأس المال البشري هو الأساس المتين لنهضة الأمم والشعوب. • لا حل جوهرى لنزيف الكفاءات إلا فى إطار مشروع قومى للنهضة. مثل هذا المشروع يقوم على أكتاف طليعة للمثقفين، ويسعى لتعظيم العائد من الكفاءات المهاجرة التى تعود انتماءً، ولكن إذا لم يقم مشروع قومى للنهضة فى الوطن العربى فلا يجب أن تقلقنا مسألة الكفاءات العربية المهاجرة، إذ سيكون وجودنا ذاته مهدداً!