كل قضية تحتاج إلى نظر من زوايا مختلفة، والاستقطاب والاستعجال يخلق نظرات متعجلة، لا تفيد فى بناء الصورة كاملة، وبما أننا فى رمضان حيث جرت العادة أن تشغل الدراما مساحات متنوعة وكبيرة من اهتمام المشاهدين، مع الأخذ فى الاعتبار أن المضامين والأشكال تغيرت وتطورت بحكم التطور التقنى، فقد أصبح الموبايل وسيلة المستخدم لمتابعة كل أعماله والاطلاع على الأخبار وأيضا دفع فواتيره ورسومه وتحويل أو تلقى المدفوعات، بجانب المنصات التى أصبحت نافذة الدراما والأخبار.
نقول هذا بمناسبة جدل تفجر فجأة، بالرغم من أنه موجود منذ سنوات، ونقصد به جدلا عن الإعلام والصحافة، وآخر عن الدراما ومشاهدة نوعية الدراما، فالواقع أن الموبايل خير تعبير عما يجرى، حيث أصبح هو كل الأدوات معا، وبالتالى فقد كان طبيعيا أن تتأخر الصحافة الورقية لصالح المواقع، التى كان عليها أن تتشابك وتتقاطع مع أدوات التواصل وتطوراتها، وتطور من منتجاتها وأدواتها، وهو ما جرى، نفس التطور تم فى الشاشات التى تراجعت لصالح الموبايل، وبالتالى فقد تغيرت الأشكال وبقى المحتوى، وهذا لا يعنى انتهاء الدور، بقدر ما يشير إلى تغير الوسائل والقوالب.
والسبب هنا فى تراجع مؤسسات عريقة أنها تراجعت أو تقاعست عن مجاراة العصر والالتحاق بأدواته وتطوره، ولهذا تراجعت علاماتها، وتقدمت علامات أخرى كانت أقدر على استيعاب أدوات العصر، وهنا يمكن تفهم سبب انصراف بعض الأجيال الجديدة عن الأشكال القديمة، وانتقالهم إلى منصات أو أشكال أو مواقع، ويمكن تفهم عدم معرفة بعض المراهقين أو الشباب الصغير بأسماء مؤسسات عريقة، بينما يتذكرون أسماء حديثة ظهرت ونمت وتطورت مع أدوات من دون أن تفقد محتواها وتفاعلها، وتمنح القارئ حقوقا إضافية، لم تكن متاحة، بل إنه حتى أدوات التواصل خلقت أدوات وأشكالا ومساحات لم تكن متاحة للجميع، فقد أصبح إنتاج المحتوى من الأفراد متاحا، وكسرت التطورات التقنية حلقات احتكار العمل، فلم يعد إنتاج المحتوى قاصرا على الصحف التقليدية، وإنما أصبح ممكنا أن يكون هناك محتوى فردى، وآخر مثال بارز على هذا هو المحتوى الذى أطلقه الفنان سامح حسين، على مواقع التواصل، ونجح فى تحقيق نسب مشاهدة جيدة، لمحتوى ليس هزليا أو سطحيا ولا خارجا، بل يتضمن نصائح ومحتوى تنمية إنسانية وبشرية، ومحتوى مفيد، ونجح فى منافسة محتوى الضجيج والبحث عن «تريند»، مع الأخذ فى الاعتبار أن المشاهد لا يمكن توجيهه أو وضعه فى قالب، لأن المحتوى الجاد يمكن أن يحظى بمشاهدة، مثل غيره من الأنواع وهذه طبيعة الأشياء.
ونفس الأمر فيما يتعلق بالدراما، حيث يتضمن هذا الموسم الكثير من الأعمال الدرامية التى تنوعت، وسجلت الكثير من الأعمال نجاحا منها أولاد الشمس، وقلبى ومفتاحه، وإخواتى، ولام شمسية، وظلم المصطبة، بجانب بعض الأعمال التى أنتجها القطاع الخاص، وهى أعمال تتضمن عنفا وتخلو من القصة أو السياق، فقط تعيد نقل ونسخ الأعمال التافهة التى تقوم على المبالغة، ومن هنا فإن الأعمال المكررة والعنيفة هى نسبة ليست كبيرة بين الدراما الجيدة، الاجتماعية أو التى تقدم محتوى إنسانيا، والحقيقة أنه طوال الوقت كانت هناك أعمال مبالغ فيها أو خالية من المعنى أو سيئة، وكانت تسمى فى عالم السينما «سينما المقاولات».
وهناك بالفعل ما يمكن تسميته دراما المقاولات، عبارة عن هجين من كل فيلم أو مسلسل، مشاهد مطبوخة تغطيها الصنعة والتصوير أو المعارك والصراعات الدموية، وبعض التوابل المسلسلاتية المعروفة التى يمكن أن تمر على المشاهد المتعجل وسط زحام من الأعمال الدرامية، وتحت دعاوى أن «الجمهور عاوز كده» ترتكب أكبر جرائم الدراما والمسلسلات، لأن الجمهور ليس هو الذى ينتج ويكلف، ونفس الجمهور الذى ينسبون إليه إعجابه بأعمال تافهة أو مسروقة هو نفسه الذى أعجب ومنح الثقة لأعمال مثل مسلسلات أسامة أنور عكاشة أو محفوظ عبدالرحمن ومحمد صفاء عامر، وهو الذى أعجب هذا العام بأعمال مثل «أولاد الشمس، قلبى ومفتاحه، ظلم المصطبة، لام شمسية، إخواتى، كامل العدد، النص» وغيرها، وبالتالى فلا يمكن اتخاذ الجمهور شماعة لتعليق الأعمال الرديئة، التى ترافقها حملات تسويقية ضخمة، ولم تسجل نجاحا مثلما جرى مع أعمال أقل تكلفة وتسويقا.
وبالتالى علينا ونحن نناقش هذه الأمور أن نبتعد عن التهوين أو التهويل، أو التعميم، حتى يمكن الوصول إلى معادلة نجح فيها مؤلفون ومخرجون كبار، جمعوا بين المشاهدة والمحتوى.
